القضاء المغربي يمنع مسؤولين بارزين من السفر متابعين في قضايا فساد

في خطوة غير مسبوقة خلال موسم العطلة الصيفية، تفاجأ عدد من المنتخبين البارزين بينهم رؤساء مجالس جماعية ونواب برلمانيون بقرارات قضائية تمنعهم من مغادرة التراب الوطني بعدما تم إيقافهم أثناء محاولتهم السفر عبر أحد الموانئ الشمالية للمملكة.
وبحسب ما أورد مصادر عليمة، فإن قضاة التحقيق بمحاكم جرائم الأموال في جهات الرباط–سلا–القنيطرة وفاس–مكناس ومراكش–آسفي،أصدروا قبل حلول العطلة القضائية قرارات بمنع سفر هؤلاء المسؤولين مع مصادرة جوازات سفرهم في إطار مساطر تحقيق تفصيلي بخصوص شبهات فساد وتبديد أموال عمومية.
وتشمل لائحة الممنوعين من السفر برلمانيين من الغرفتين-رؤساء جماعات حاليين وسابقين،إضافة إلى منتخبين محليين-موظفين-تقنيين ومقاولين. وقد بدأ بعضهم فعلا في المثول أمام قضاة التحقيق،فيما ينتظر آخرون استدعاءهم خلال الأسابيع المقبلة.
وكشفت المصادر، أن العديد من المعنيين لجأوا إلى محامين من خارج أحزابهم، بعد أن رفضت هذه الأخيرة تنصيب دفاع لهم في ظل حساسية التهم الموجهة إليهم وتزامنها مع ارتفاع منسوب الخطاب الرسمي حول محاربة الفساد وتخليق الحياة السياسية.
وتشير المعطيات إلى أن محاكم جرائم الأموال في مختلف جهات المملكة استقبلت خلال الأشهر الأخيرة عددا كبيرا من الشكايات ضد رؤساء جماعات،معظمها يتعلق بتبديد المال العام وسوء التدبير وهي تهم قد تؤدي إلى عقوبات سجنية نافذة وفقا للفصل 241 من القانون الجنائي المغربي.
وتستند هذه المتابعات القضائية إلى تقارير رسمية صادرة عن المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة للإدارة الترابية،إضافة إلى شكايات من مستشارين معارضين أو جمعيات مدنية تعنى بحماية المال العام.
ويعيش عدد من المنتخبين حالة قلق وترقب،خصوصا بعد سقوط أسماء وازنة في قبضة القضاء ودخول آخرين السجن،ما يشير إلى أن حملة محاربة الفساد دخلت مرحلة أكثر حزما وقد تعيد رسم الخريطة السياسية المحلية والبرلمانية،خصوصا مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
تأتي هذه القرارات في إطار توجه أوسع تبناه المغرب خلال السنوات الأخيرة لتعزيز الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة،انسجاما مع الإصلاحات الدستورية والقانونية التي تهدف إلى تخليق الحياة العامة وحماية المال العام.وتبرز هذه الإجراءات كرسالة واضحة بأن مكافحة الفساد لم تعد تقتصر على الخطاب السياسي أو الحملات الظرفية،بل أصبحت مسارا مؤسسيا متدرجا يمتد ليطال مستويات مختلفة من المسؤولية.
كما أن هذه الموجة من المتابعات القضائية قد تحمل انعكاسات مباشرة على المشهد الحزبي،إذ قد تعيد فرز القيادات المحلية والبرلمانية وتدفع الأحزاب إلى مراجعة معايير اختيار مرشحيها،تجنبا لأي تبعات سياسية أو انتخابية.ومع اقتراب الاستحقاقات المقبلة،يمكن أن تشكل هذه التطورات عاملا مؤثرا في إعادة تشكيل موازين القوى السياسية وربما تعزيز ثقة فئات من المواطنين في جدية الدولة في محاربة الفساد،رغم استمرار تحديات الإصلاح الهيكلي للإدارة والرقابة.



