Hot eventsأخبارأخبار سريعة

شخصيات من ورق

بقلم الاستاذ: مولاي الحسن بنسيدي علي

لا تكاد تخلو ساحة سياسية أو مناسبة عامة من وجوهٍ مألوفة لا يربطها بالحدث سوى شغف الظهور أمام الكاميرات. وجوهٌ تتشابه في الملامح والصفات، تصطف في المقاعد الأولى وتلتصق بأصحاب الألقاب الرنّانة والعيار الثقيل، لا لشيء سوى أن يلتقطوا صورة تحفظ لهم حضورًا شكليًا في ذاكرة اللقاء. أما الموضوع في حد ذاته فلا يعنيهم، ولا يملكون فيه رأيًا أو إسهامًا يُذكر.

إنها ظاهرة قديمة تتجدد مع كل دورة انتخابية أو لقاء رسمي: أشخاص لا يملكون مشروعًا ولا رؤية، لكنهم يبرعون في اقتناص الأضواء والتقاط الصور. يتزاحمون عند المنصة، يوزّعون الابتسامات المصطنعة، وحين ينفضّ الجمع تتجه خطاهم مباشرة نحو الموائد؛ هناك يظهر “الجدّ” الحقيقي في التهام الحلويات وتكديس الأطباق، وكأن المأدبة هي الغاية واللقاء مجرّد عذر.

الأدهى من ذلك أنّ بعضهم يتصرّف وكأن حضوره قد غيّر مسار البلاد، أو أن جلوسه بجوار شخصية سياسية بارزة إنجاز وطني يُحسب له. فيغادر القاعة مرفوع الرأس، ويتحدث في المجالس عن “اجتماع هام شارك فيه والتقط صورة مع زعيم حزب يكرهه او شخصية من ورق يطمح في التقرب منها “، بينما الحقيقة أنه لم يكن سوى متفرّجٍ صامت وضيف ثقيل على النقاش.

هذه الممارسات ليست مجرّد سلوك فردي عابر، بل تعكس ثقافة أعمق: ثقافة الريع السياسي والاجتماعي، حيث تُستبدل الكفاءة بالوجاهة، والفعل بالصورة، والمساهمة الجادة بالابتسامة المصطنعة. وهو ما يفسّر كيف يستمر بعض الوجوه في تصدّر المشهد، رغم خلوّ رصيدهم من أي إنجاز حقيقي.

وفي النهاية، يظل السؤال معلقًا: إلى متى تبقى قاعات اللقاءات الرسمية في مدينة الأنوار ومدن أخرى مجرد مسرح لعرض صور مكرّرة ووجوه باهتة؟ متى يمنح المكان للفاعلين الحقيقيين، الذين يقدّمون الفكر والمشاريع بدل الضحك الفارغ على موائد المناسبات؟ أم أن الزمن سيبقى يكرّس الحضور الشكلي على حساب العمل الفعلي، حتى تُصبح السياسة عندنا مجرّد حفل شاي بارد وصورة جماعية؟

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button