فضائح مالية وقرارات حاسمة بالمغرب

مع بداية هذا اليوم، تنكشف معطيات دقيقة تكشفها تقارير لجان تفتيش مركزية حلت بعدد من الجماعات التابعة لأقاليم جهات الدار البيضاء-سطات والرباط-سلا-القنيطرة وفاس-مكناس، حيث أماطت اللثام عن ثقوب مالية خطيرة في مداخيل جماعية، تورط فيها رؤساء جماعات نتيجة التهاون في استخلاص واجبات استغلال المرافق العمومية. هذه الاختلالات أدت إلى حرمان خزائن جماعية من مليارات السنتيمات، جراء تفويتات مشبوهة لتدبير الأسواق والمجازر والمحطات الطرقية، ما سمح لشبكات منظمة بجني أرباح طائلة على حساب المال العام. وقد سجلت الخروقات بشكل خاص في ضواحي المدن الكبرى، وعلى رأسها الدار البيضاء، حيث تراجعت قيمة كراء الأسواق الأسبوعية بشكل مريب.
وإزاء هذه التجاوزات، رفع أعضاء من مجالس جماعية ملتمسات إلى سلطات الوصاية لتفعيل القانون وضمان الامتثال لمبادئ الحكامة، مع الدعوة إلى إيفاد لجان افتحاص لصفقات الكراء منذ بداية الولاية الحالية، ومقارنة القيم الكرائية بالمجالس السابقة، التي كانت أعلى بكثير. ويأتي ذلك في وقت تتشدد فيه الإدارة الترابية بتنزيل دورية مشتركة بين وزارتي الداخلية والمالية حول رقمنة مداخيل الجماعات، عبر منظومة التدبير المندمج (ج.ي.ر – س.ت)، تنفيذا للبرنامج الحكومي الرامي إلى تحديث الإدارة وتحسين خدماتها، خاصة ما يتعلق بالاستخلاص والدفع الإلكتروني.
غير أن تقارير الداخلية كشفت كذلك تناقضات مثيرة في ميزانيات بعض الجماعات، خاصة بجهة الدار البيضاء-سطات، حيث ارتفعت النفقات مقابل تراجع الإيرادات بشكل لافت، مع تسجيل ديون ضخمة غير قابلة للاستخلاص، كما هو الحال في جماعة تابعة لإقليم برشيد، حيث بلغت قيمة المبالغ غير المحصلة 9 مليارات سنتيم. هذا الوضع دفع وزارة الداخلية إلى التفكير في إعادة هيكلة معايير توزيع التمويلات والدعم، بناء على معطيات محينة تضمن عدالة وشفافية أكبر.
وفي موازاة ذلك، استنفرت تقارير استعجالية السلطات الإقليمية بعد رصد تلاعبات ضريبية تورط فيها رؤساء جماعات وموظفون، تتعلق بتوجيه ملزمين إلى حرث أراضٍ عارية بغرض الحصول على شهادات إدارية للإعفاء من الرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية، رغم أن هذه الأراضي تقع داخل مناطق سكنية وصناعية. الأخطر أن بعض الجماعات واصلت إصدار شهادات إعفاء رغم تغيير تنطيق هذه الأراضي منذ سنوات، وهو ما اعتبرته الداخلية “غدراً ضريبياً” يبدد موارد جبائية مهمة. وقد طالت هذه الخروقات مناطق برشيد ومديونة ضواحي الدار البيضاء بشكل أكبر.
كما وقفت التقارير على لجوء ملاك أراضٍ إلى أساليب احتيالية، مثل إنشاء “آبار وهمية” لإيهام لجان المعاينة باستعمالها لأغراض فلاحية. وهو ما دفع وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت إلى توجيه مراسلات للولاة والعمال بضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات القانون المتعلق بجبايات الجماعات الترابية، مع إعداد خرائط حديثة تحدد بدقة المناطق الخاضعة للضريبة. كما سجلت السلطات لجوء بعض الجماعات إلى حلول وسطية مع الملزمين، عبر توقيع التزامات بعدم اللجوء للقضاء مقابل تحديد قيمة الرسم، تفادياً لمنازعات ترتبط بشهادات الإعفاء الممنوحة سابقاً.
وفي سياق متصل، ومع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2026، تواصل وزارة الداخلية مشاوراتها مع الأحزاب السياسية، في وقت جددت فيه فيدرالية رابطة حقوق النساء مطلبها بتفعيل المناصفة الدستورية، واعتبارها مدخلاً رئيسياً لإنجاح التنمية والديمقراطية. الفيدرالية دعت إلى مراجعة المنظومة الانتخابية بما يضمن مشاركة وازنة للنساء، ومنع إدراج اسمين متتابعين من نفس الجنس في لوائح الترشيح، مع اعتماد آليات التناوب، وذلك من أجل ترسيخ مبدأ المناصفة أفقياً وعمودياً.
وفي هذا السياق، شددت سميرة موحيا، رئيسة الفيدرالية، على أن المناصفة ليست مطلباً حقوقياً فحسب، بل هي رهان استراتيجي لإنجاح النموذج التنموي الجديد، محذرة من خطورة استمرار العنف السياسي والانتخابي والإلكتروني ضد النساء، ومطالبة بتجريم هذه الممارسات بقوة القانون، مع إرساء آلية وطنية لرصدها خلال الاستحقاقات. كما أكدت أن المناصفة رافعة أساسية للتنمية والعدالة الاجتماعية والمجالية، داعية إلى إشراك الجمعيات النسائية والمجتمع المدني في المشاورات الجارية بشأن الاستحقاقات المقبلة.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، وقع المغرب والصين مذكرة تفاهم ببكين لإرساء آلية للحوار الاستراتيجي بين وزارتي خارجيتهما، بما يعزز الشراكة الاستراتيجية الموقعة سنة 2016 برعاية جلالة الملك محمد السادس ورئيس الصين شي جين بينغ. وفي المجال الاقتصادي، تتجه الحكومة إلى وضع خطة لتقليص نفوذ الوسطاء في أسواق المنتجات الفلاحية، قصد ضمان ربح أفضل للفلاحين وخفض الأسعار على المستهلكين.
أما في قطاع الابتكار البيئي، فقد وقعت مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط عبر فرعيها “OCP Green Water” و”OCP Nutricrops” مذكرتي تفاهم لتحويل ثاني أكسيد الكربون المحتجز إلى حلول مستدامة في مجالي المياه والفلاحة، في خطوة تضع المغرب في صدارة التجارب الدولية الرائدة.
ومن جهة أخرى، يستعد معرض الفرس للجديدة لدورة 2025، التي يتوقع أن تستقطب أكثر من 200 ألف زائر، بعد النجاح الكبير لدورة السنة الماضية. المعرض سيوفر فضاءات جديدة للثقافة والفروسية والابتكار الرقمي، بما يعزز إشعاعه كمنصة دولية متعددة الأبعاد.
وفي ميدان التعليم، أعلنت وزارة التربية الوطنية توفير كتب مدرسية بأسعار رمزية لمؤسسات الريادة الابتدائية، لفائدة أكثر من مليوني تلميذ، في خطوة تروم تخفيف الأعباء على الأسر وتعزيز تكافؤ الفرص.
اقتصادياً، شهدت جدة زيارة بعثة اقتصادية مغربية ضمت 15 مقاولة لتعزيز التعاون التجاري مع السعودية، فيما تمكن المغرب من تصدر قائمة موردي الأسمدة إلى الاتحاد الأوروبي بقيمة صادرات بلغت 103 ملايين أورو، متجاوزاً روسيا، ما يعكس متانة قطاعه الفلاحي والصناعي.
وفي ختام هذه الجولة، يبقى الحدث البارز إشراف جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، على تدشين وزيارة مشاريع استراتيجية كبرى بميناء الدار البيضاء، باستثمارات تناهز 5 مليارات درهم، تشمل تهيئة ميناء للصيد، وبناء ورش لإصلاح السفن، ومحطة خاصة بالرحلات البحرية، ومجمعاً إدارياً حديثاً، بما يعزز مكانة الدار البيضاء كقطب اقتصادي ومالي وسياحي رائد على مستوى القارة الإفريقية.



