
لقد أثارت خطوة وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، المتمثلة في إطلاق تكوين لأساتذة التربية البدنية في مجال الهيب هوب والبريكينغ، جدلاً واسعًا داخل الأوساط التربوية والثقافية. فبين من يراها تجديدًا تربويًا يساير روح العصر، ومن يعتبرها انزلاقًا نحو استيراد ثقافة غريبة عن المجتمع المغربي، يظل السؤال قائمًا: لماذا الهيب هوب بالذات، في بلد يزخر بتراث فني وحركي غني قادر على أداء نفس الوظيفة وأكثر؟
نشأ الهيب هوب في نيويورك خلال سبعينيات القرن الماضي، كحركة احتجاجية شبابية ضد الفقر والتهميش. هو مزيج من الراب، الرقص الحركي، الغرافيتي، والدي جي، ارتبط في صورته الأولى بثقافة الشارع والتمرد.
اليوم، صار الهيب هوب معترفًا به عالميًا، حتى وصل إلى منصة الألعاب الأولمبية. لكن، رغم هذه العالمية، يظل فنًا غربي النشأة والرمزية، ينقل رسائل مزدوجة: بعضها تحفيزي وإيجابي، وبعضها الآخر يحمل صورًا للعنف والفردانية والاستهلاك.

في المقابل، يملك المغرب رصيدًا هائلًا من الرقصات الفلكلورية التعبيرية التي لا تقل تقنية ولا انضباطًا حركيًا عن الهيب هوب: أحواش، أحيدوس، الركادة، الكدرة، كناوة… كلها أنماط تقوم على التنسيق الجسدي، القوة البدنية، الانسجام الجماعي، والإيقاع المنتظم، أي أنها تستوفي شروط “الرياضة” والتربية الحركية.

لكن الفارق الجوهري أن هذه الفنون تزرع الحس الوطني والاعتزاز بالهوية، إذ تحكي قصص المقاومة والتضامن، وتجعل التلميذ مرتبطًا بذاكرته الجماعية بدل ذوبانه في ثقافة دخيلة.
و لا شك أن الوزارة تسعى من خلال الهيب هوب إلى:
تنويع العرض التربوي وربط المدرسة بما يستهوي الشباب و مسايرة الاعتراف الدولي بالبريكينغ كرياضة أولمبية.
و احتواء الطاقات الشبابية في أنشطة منظمة بدل تركها عرضة للفوضى، لكن الانتقاد المشروع هو: لماذا يتم التركيز على فن مستورد، في حين أن المدرسة لم تمنح بعد المكانة التي يستحقها تراثها المحلي؟ أليس الأولى أن يُدمج “أحيدوس” أو “أحواش” أو “كناوة” في حصص التربية البدنية، باعتبارها رياضات وفنونًا أصيلة تحمل مضامين وطنية؟
فإن أخطر ما قد يترتب عن إدماج الهيب هوب دون تأطير هو تعميق القطيعة بين الأجيال: جيل يتعلم في المدرسة أن يعبر بجسد غربي، بينما يجهل الرقصات التي شكلت عبر قرون جزءًا من مقاومة أجداده وحياتهم اليومية.
وإذا كان الهدف هو منح الشباب متنفسًا، فإن التراث المغربي يوفر ذلك بعمق أكبر، لأنه يزاوج بين اللياقة البدنية، التعبير الفني، والانتماء الوطني.
نوصي بمقترحات للخروج من المفارقة :

- إدماج الفلكلور المحلي في البرامج، إلى جانب الفنون العصرية، لضمان التوازن.
- تأطير الهيب هوب بالقيم المغربية، حتى لا يتحول إلى استلاب ثقافي.
- إشراك فنانين وممارسين محليين في صياغة الأنشطة، بدل الاعتماد على خبراء أجانب فقط.
- تربية التلاميذ على المقارنة النقدية بين الفنون، ليختاروا ما يعبر عنهم دون فقدان الهوية.
إن خطوة إدماج الهيب هوب في المدرسة المغربية قد تبدو مبادرة عصرية، لكنها تطرح إشكالية عميقة: هل نحتاج فعلًا إلى استيراد ثقافة غربية لتأطير شبابنا، في حين أن تراثنا الشعبي غني بفنون حركية وتعبيرية لا تقل قيمة ولا جاذبية؟
ان التجديد في التربية لا يعني بالضرورة الانبهار بما هو أجنبي، بل القدرة على جعل الأصيل منفتحًا والعصري متوازنًا، حتى تظل المدرسة المغربية فضاءً للهوية والحداثة معًا، لا مسرحًا لاستنساخ ثقافات الآخر.



