
منذ اللحظة الأولى التي تطأ فيها قدماك أسوار مدينة فاس العتيقة، تشعر وكأنك دخلت كتابًا مفتوحًا يروي فصولًا من حضارة مغربية عريقة. أصوات الباعة تتداخل مع نداءات الحرفيين، وروائح التوابل المنبعثة من الدروب الضيقة تُغريك بتتبعها نحو أسواق لا تنام.
في قلب هذه الأزقة، يطلّ جامع القرويين شامخًا، شاهدًا على أكثر من 12 قرنًا من العلم والروحانية. هنا، لا يتحدث الحجر فقط عن الماضي، بل يبوح بأنفاس أجيال تعاقبت على مقاعد العلم والفقه والفكر.
تتوقف عند دكاكين النحاسين فتبهرك المطرقة وهي تنحت زخارف دقيقة على صفائح لامعة. وعلى بُعد خطوات، يبهرك صانعو الجلد وهم يحوّلون جلودًا خامًا إلى تحف فنية، في مشهد لا تجده إلا في دباغات فاس الشهيرة.

ورغم صخب الحياة العصرية في المغرب، تبقى فاس وفية لروحها: مدينة تجمع بين القدسية والحداثة، بين الحرف التقليدية ووهج الجامعات، وبين البساطة والأصالة. لذلك ليس غريبًا أن تُصنّف ضمن التراث العالمي لليونسكو، فهي مدينة لا تُزار فقط، بل تُعاش بتفاصيلها.



