جيل Z 212 بين نبض الشارع وإرادة الإصلاح

في زمن تتسارع فيه التحولات وتضيق المسافات بين العالم الواقعي والرقمي، خرج جيل جديد يُعرف بـ”جيل Z 212″ ليعبّر عن نفسه بلغة مختلفة، مباشرة، وبدون وسائط. خرج وهو يحمل في قلبه شرارة الأمل، وفي صوته نغمة السؤال عن الصحة، التعليم، والكرامة.
هي مطالب مشروعة، تعبّر عن عمق الأزمة وتكشف عن وعي جيل لم يعد يرضى بالشعارات ولا بانتظارات مؤجلة.
لكن، وسط هذا الحراك النابض بالحياة، دسّت أطرافٌ غريبة بين صفوف الشباب نوايا التحريم والتخريب، ساعية لتغذية الفوضى وتعميق الهوة بين الدولة والمجتمع. غير أن المغاربة، بحكمتهم المعهودة، أدركوا أن الطريق إلى التهدئة لا يمر عبر القمع أو التجاهل، بل عبر الحوار والإقناع والاحتواء.
المرحلة تقتضي الإنصات قبل الإجابة. فجيل Z لا يريد وعودًا معلّبة، بل إصغاءً حقيقيًا لصوته، واعترافًا بذكائه وحقه في المشاركة.
الحوار هنا ليس شكليًا، بل مشروع وطني متكامل يعيد بناء الثقة بين الشباب والمؤسسات، ويؤسس لميثاق جديد عنوانه “الوطن يسعنا جميعًا”.
ولعل أبرز ما تحتاجه المرحلة هو إطلاق “حوار الأجيال”: لقاءات جهوية تجمع ممثلي الشباب بمسؤولين حكوميين، في نقاش مباشر وشفاف حول قضايا الصحة والتعليم والتشغيل. تلك اللقاءات ستكون بمثابة جسور أمل، تُعيد ترتيب العلاقة بين الدولة والمجتمع على أساس المشاركة لا الوصاية.

من الضروري أن يتطور الخطاب الرسمي والإعلامي ليواكب وعي هذا الجيل، فالشباب اليوم لا يتجاوب مع لغة الوعظ أو التخويف، بل مع لغة تشاركية تحترم طموحه وذكاءه.
التفاعل الرقمي، والتواصل الإيجابي عبر المنصات الاجتماعية، يمثلان اليوم أقوى أداة لإقناع هذا الجيل الذي يعيش في فضاء رقمي مفتوح.
إن بناء الثقة لا يتحقق بالشعارات، بل بخطوات ملموسة: تحسين الخدمات في المستشفيات والمدارس، فتح فرص عمل قريبة من الواقع المحلي، وتمكين الشباب من المساهمة في صياغة السياسات العمومية.
ليس من السهل تهدئة موجة الغضب حين تتغذى من الإحباط، لكن يمكن تحويلها إلى طاقة إصلاح حين يشعر الشباب بأن الوطن يسمعهم ويؤمن بقدراتهم.
الاحتواء هنا لا يعني التنازل عن الثوابت، بل هو فن تحويل الغضب إلى شراكة وطنية، وفنّ مخاطبة القلب والعقل معًا.إن المغرب، بتاريخه العريق وحكمة مؤسساته، قادر على احتواء جيل Z 212 لا بالعصا ولا بالإقصاء، بل بالأمل وبالمشاريع التي تفتح أمامه أبواب المستقبل.
جيل اليوم لا يبحث عن وطن بديل، بل عن مكان له في وطنه، عن فرصة ليكون جزءًا من صناعة الغد.
ربما آن الأوان لإعلان ميثاق وطني للشباب، يترجم مطالبهم إلى خطط واقعية تتقاطع فيها السياسة بالثقافة والتعليم بالعدالة الاجتماعية.
ميثاق يستند إلى قيم المواطنة والمسؤولية، ويجعل من الشباب قوة اقتراح لا فقط قوة احتجاج.
فالمغرب الذي احتوى أجيالًا من التحديات، قادر اليوم على أن يجعل من حراك جيل Z 212 فرصة للنهضة والإصلاح لا محطة للتصادم.
وكلما اشتدّ الغضب، كان الأمل هو الجواب الأذكى.
جيل Z ليس عدوًا، بل مرآة لزمن جديد.
وإذا أصغينا جيدًا لصوته، سنكتشف أنه لا يطلب المستحيل، بل فقط أن يُعامل كمواطن يستحق الحياة بكرامة.
ومن هنا تبدأ الحكاية الجميلة…
حكاية وطن يصغي، يفهم، ويحتوي أبناءه بالحب والعدل والأمل.



