الاستوزار في المغرب: توازنات معقدة بين الكفاءة، التمثيلية الحزبية، ومركزية الحكم

يُعد تعيين الوزراء محطة مفصلية في تشكيل السلطة التنفيذية داخل الأنظمة الديمقراطية، حيث تلتقي فيها الشرعية الانتخابية بمتطلبات الفعالية التقنية والتوازنات السياسية. ومن خلال تتبع آليات التعيين، يمكن استشفاف منطق اشتغال النظام السياسي ومدى التزامه بمبادئ الشفافية والمسؤولية والتعددية.
في المغرب، يتبوأ منصب الوزير مكانة مركزية في هيكلة الجهاز التنفيذي، حيث يعكس اختياره طبيعة التوازنات بين المؤسسة الملكية، الأحزاب السياسية، والبيروقراطية الإدارية. وبين ما ينص عليه الدستور وما تفرزه الممارسة الفعلية، تتداخل معايير سياسية وتقنية تتراوح بين الانتماء الحزبي والخبرة المهنية، وأحياناً عنصر الولاء أو القرب من مراكز القرار.
لقد شهدت تجربة التعيين الوزاري تطوراً منذ تولي الملك محمد السادس العرش سنة 1999، حيث اتجهت نحو تنويع الخلفيات وتوسيع دائرة الكفاءات في محاولة للجمع بين التحديث المؤسساتي واستمرارية نمط الحكم المركزي. يظهر هذا التوجه بوضوح في دستوري 1996 و2011، ولا سيما الفصلين 47 و49 من دستور 2011 اللذين يمنحان للملك سلطة تعيين رئيس الحكومة من الحزب المتصدر للانتخابات ويحددان الإطار العام لتعيين الوزراء مع احتفاظ المؤسسة الملكية بهامش واسع من التقدير، خاصة فيما يتعلق بـوزارات السيادة.
– معايير التعيين الوزاري: تداخل السياسة والتقنية
رغم أن التعيين يتم “باقتراح” من رئيس الحكومة، فإن التجربة تظهر أن هذا الاقتراح يمر من غربال دقيق. لا تخضع عملية الاستوزار فقط لمعايير الكفاءة، بل تتداخل فيها اعتبارات حزبية وشخصية وتقنية، ما يجعل بعض المناصب الوزارية تمنح لأشخاص بعيدين عن العمل السياسي أو الانتخابي، خاصة ضمن ما يسمى بـ”الوزراء التقنوقراط”.
يطرح هذا الوضع إشكاليات متعددة:
1-هل نحن أمام حكومة تمثل الإرادة الشعبية فعلاً؟
2-ما حدود التمثيلية الحزبية في التشكيلة الحكومية؟
3-وهل تغني الكفاءة التقنية عن الشرعية الانتخابية أو الانتماء الحزبي؟
– تحليل التشكيلة الحكومية الحالية
تشكلت الحكومة الحالية من تحالف ثلاثي بين حزب التجمع الوطني للأحرار، حزب الأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال، إلى جانب حضور تقنوقراطي بارز. تتكون الحكومة من:
رئيس الحكومة (من حزب التجمع الوطني للأحرار).
18 وزيراً.
5 وزراء منتدبين.
6 كتاب دولة.
– التوزيع الحزبي والملاحظات الهيكلية
التوزيع الحزبي:
التجمع الوطني للأحرار: 5 وزراء + وزيران منتدبان + كاتبا دولة.
الأصالة والمعاصرة: 6 وزراء + وزيرة منتدبة + كاتبا دولة.
الاستقلال: 4 وزراء + كاتب دولة.
التقنوقراط: 3 وزراء + وزيران منتدبان + الأمين العام للحكومة.
– ملاحظات على هيكلة الحكومة:
هيكلة مضغوطة: رغم تعدد المناصب، فإن البنية الوزارية الحالية تبقى أقل عدداً مقارنة بحكومات سابقة، ما يشير إلى توجه نحو الترشيد.
توازن سياسي داخلي: تم توزيع مناصب المجالس (النواب والمستشارين) على مكونات التحالف، مما يعكس حرصاً على حفظ التوازن داخل الأغلبية.
استمرار وزارات السيادة: لا يزال الملك يحتفظ بالتعيين المباشر لوزراء الداخلية، الخارجية، الدفاع، الأوقاف والأمانة العامة للحكومة، مما يؤكد مركزية القرار في مجالات استراتيجية.
اختلاط في النمط الوزاري: نلاحظ ازدواجية واضحة بين التعيين السياسي والحزبي من جهة، والتعيين التقني أو التكنوقراطي من جهة أخرى.
– خلفيات الوزراء: تمثيلية أم كفاءة؟
حزب الاستقلال: يظهر التزاماً واضحاً بمنح المناصب لمناضليه المعروفين داخل الحزب.
التجمع الوطني للأحرار: يتميز بتبنيه سياسة “الانفتاح” على الكفاءات الخارجية، حيث أن معظم وزرائه لم يعرفوا بمسار سياسي حزبي أو انتخابي.
الأصالة والمعاصرة: مزج بين الأعضاء الحزبيين والتكنوقراط، في نمط يوحي بتوجه “محافظ” يوازن بين الانتماء والخبرة.
– التمثيلية الانتخابية: أرقام متباينة
تؤكد الأرقام أن شرعية الانتخاب ليست محددًا حاسمًا في الاستوزار، خصوصًا عند الحديث عن المناصب ذات الطابع الاستراتيجي أو التقني:
وزراء السيادة: لا أحد منهم سبق أن انتخب برلمانياً أو محلياً.
وزراء “الأحرار”: فقط 2 من أصل 9 لهم تجربة انتخابية.
وزراء “البام”: 4 وزراء وكاتب دولة سبق لهم الترشح أو الفوز بمقعد برلماني.
وزراء “الاستقلال”: 4 من أصل 5 لهم تجارب انتخابية.
التمثيلية النوعية والجيلية: تحديات قائمة
تمثيلية النساء: 7 نساء من أصل 31 عضواً، أي أقل من الثلث.
تمثيلية الشباب: وزير واحد فقط تحت سن الأربعين.
ورغم أن الأحزاب الثلاثة تملك منظمات شبابية ونسائية نشطة، فإن تمثيليتها في الحكومة تبقى محدودة، مما يطرح تساؤلات حول جدية مقاربة النوع وتجديد النخب في الممارسة الحزبية.
تعايش صيغتي الحكم وتحديات المستقبل
إن قراءة تشكيلة الحكومة الحالية بالمغرب تكشف عن تعايش صيغتين في ممارسة الحكم:
صيغة تحترم التعددية الحزبية ومخرجات الاقتراع.
وصيغة تحتكم إلى منطق الدولة العميقة والكفاءة التقنية والاختيار السيادي.
هذا التعايش يُفهم في سياق خاص، حيث ما زال النظام السياسي المغربي يجمع بين مظاهر الحداثة الدستورية وبنية القرار المركزي. يبقى التحدي الأبرز هو بناء حكومة قوية تمثل المواطنين فعلاً وتستطيع تفعيل السياسات العمومية بكفاءة ومسؤولية.
– مدى استجابة الحكومة للمطالب الشعبية: بين الخطاب والممارسة
رغم التطلعات الكبيرة التي رافقت تشكيل الحكومة الحالية، خاصة بعد انتخابات 2021 التي شهدت تراجعاً كبيراً لحزب العدالة والتنمية وصعود قوى سياسية جديدة بوعود إصلاحية، إلا أن الشارع المغربي لا يزال يبدي نوعاً من الحذر والبرود تجاه أداء الحكومة. فالمطالب الأساسية للمواطنين لا تزال تدور حول محاور واضحة: غلاء الأسعار، البطالة، وتحديات الخدمات الاجتماعية.



