Hot eventsأخبارأخبار سريعةعين العقل

الإمبريالية السياسية.. الوجه المعاصر للهيمنة والتحكم في مصير الشعوب

بقلم الاستاذ: مولاي الحسن بنسيدي علي

في عالم اليوم، لم تعد السيطرة تُمارس عبر الجيوش فقط، بل أصبح لها أدوات جديدة أكثر خطورة وفتكًا، تتغلغل في تفاصيل الدول والمجتمعات دون الحاجة إلى إطلاق رصاصة واحدة. إنها الإمبريالية السياسية، الوجه الخفي للقوة، الذي يتقمص لبوس الشرعية القانونية، ويُزيَّن بشعارات التنمية والحرية وحقوق الإنسان، بينما يرسّخ في العمق بنيةً من السيطرة، تصادر القرار الوطني وتعيد تشكيل الدولة على مقاس القوى المهيمنة.

أولًا: ماهية الإمبريالية السياسية

الإمبريالية السياسية هي استخدام النفوذ السياسي، الاقتصادي، المؤسساتي والثقافي من طرف قوى دولية أو محلية متحالفة مع الخارج، من أجل فرض منظومة قيم وسياسات تخدم مصالحها العليا، ولو كان ذلك على مبدأ السيادة ووحدة الدولة.

ليست الإمبريالية الحديثة سيفًا مسلولًا، بل هي منظومة متكاملة، تبدأ من التحكم في القرار السياسي، مرورًا بإعادة إنتاج النخب التابعة، وصولًا إلى التحكم في الموارد والمقدرات، بل وحتى في وعي المواطن واتجاهاته.

ثانيًا: أدوات الإمبريالية المعاصرة

  1. القانون على المقاس
    تسعى الإمبريالية السياسية إلى تفصيل القوانين كما تُفصَّل الثياب، بما يناسب أجنداتها. يتم تمرير تشريعات اقتصادية تُكرِّس الريع والاحتكار، وتُشرعن التهرب الضريبي، وتُقصي الفئات الضعيفة من دائرة الإنتاج والثروة. القوانين تُستخدم كأدوات ضبط اجتماعي لصالح طبقة ضيقة من المستفيدين المحليين والدوليين.
  2. السيطرة على الإعلام وصناعة الرأي
    عبر أدوات إعلامية ضخمة تمولها قوى المال والنفوذ، يتم تضليل الرأي العام، وشيطنة الحركات الشعبية، وتصوير التبعية على أنها شراكة، واستنساخ الاستبداد تحت مسمى “الاستقرار”.
  3. تحالف النخب التابعة
    تعتمد الإمبريالية على جوقة من النخب المثقفة والإعلامية والسياسية، التي تتبنى خطابها وتسوّقه. هؤلاء يُستثمر فيهم كـ”وكلاء محليين” للنفوذ الأجنبي، يعيدون إنتاج الواقع المرير في ثوب حديث.
  4. النفاذ إلى المؤسسات السيادية
    من خلال القروض المشروطة، والمساعدات الدولية، واتفاقيات “التبادل غير المتكافئ”، تتسلل الإمبريالية إلى قلب المؤسسات السيادية: المالية، القضائية، والأمنية، وتعيد تشكيل سياساتها بما يتوافق مع المصالح الخارجية.

ثالثًا: الإمبريالية والهوية الثقافية

واحدة من أخطر وجوه الإمبريالية السياسية هي محاولتها تقويض الهوية الثقافية والقيمية للشعوب، سواء عبر فرض نماذج “العلمنة المتطرفة” أو من خلال تشجيع انقسامات عرقية، طائفية، ومناطقية. إنها تسعى إلى خلق “هويات قَلِقة” تُفضِّل الانتماء للمركز الخارجي على الانتماء الوطني، ما يُضعف اللحمة المجتمعية ويُسهِّل التحكم السياسي،

رابعًا: الشعوب المتهمة بالجوع: ضحايا أم مقاومون؟

الإمبريالية لا تنجح إلا حين تستبطن الشعوب عجزها، وتُقنِع نفسها بأنها عاجزة عن النهوض. لذلك، يُتهم الفقراء بـ”الكسل”، والمجتمعات المُستعمَرة بـ”الهمجية”، ويتم تجريدها من حقها في تقرير مصيرها. لكنّ التاريخ أثبت أن مقاومة الإمبريالية ليست فقط ممكنة، بل حتمية. فكل شعوب الأرض التي نالت حريتها، بدأت بالوعي ثم بتنظيم صفوفها، ثم بالثورة على أنظمتها التابعة.
وخلاصة القول :


الإمبريالية السياسية ليست ظاهرة عابرة، بل هي بنية مهيمنة متغلغلة في تفاصيل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدول، تتجدد باستمرار وتُحسن من أدواتها. ولعل أخطر ما فيها، أنها ترتدي أقنعة الوطنية أحيانًا، والتحديث أحيانًا أخرى.
إن التصدي لها لا يتم بشعارات رنانة، بل بالوعي النقدي، وبناء الدولة الديمقراطية العادلة، وتحرير القرار السياسي من ربقة الخارج. وحده المواطن الحر، الواعي، هو القادر على كسر هذا الطوق واسترداد سيادته الكاملة.

المراجع:
ينظر:

  1. إدوارد سعيد، الثقافة والإمبريالية، ترجمة: كمال أبو ديب، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1997.
    مرجع أساسي لفهم العلاقة بين الهيمنة الثقافية والسياسية.
  2. فالح عبد الجبار، الدولة والمجتمع المدني: في العراق المعاصر، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2009.
  3. سمير أمين، التبادل اللامتكافئ وقانون القيمة، دار الفارابي، بيروت، 2005.
  4. جوزيف ناي، القوة الناعمة: وسيلة النجاح في السياسة الدولية، ترجمة: محمد توفيق زكي، دار الشروق، القاهرة، 2007.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button