الضمير في ميزان السياسة: حين يجعل الملك محمد السادس العمل العام مسؤولية أمام الله والتاريخ

في افتتاح الدورة التشريعية الجديدة للبرلمان،ألقى جلالة الملك محمد السادس خطابا تميز بعمقه الإنساني وأبعاده الأخلاقية والسياسية إذ تجاوز الخطاب حدود التوجيه المؤسساتي إلى دعوة صريحة لإحياء الضمير في العمل العام. وجاء ختام الخطاب الملكي بآية مؤثرة من سورة الزلزلة:
“فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره”
وهي آية تختزل فلسفة العدالة المطلقة وتضع العمل السياسي في ميزان القيم والضمير الإنساني قبل ميزان القانون.
هذه الإشارة القرآنية لم تكن مجرد تزيين بلاغي،بل جاءت كرسالة روحية وسياسية عميقة تؤكد أن جوهر الإصلاح في المغرب لا يمكن أن يتحقق إلا بضمير يقظ وإحساس مسؤول بأن كل قرار وكل فعل له أثر يسجل في ذاكرة الله والتاريخ.
فالملك وهو يتحدث إلى نواب الأمة ومسؤولي الدولة،أراد أن يذكر بأن المسؤولية ليست امتيازا،بل أمانة تحاسب في الأرض والسماء وأن السياسة لا تكتمل إلا حين تبنى على التقوى والنزاهة والإخلاص.
وفي تحليل مضامين الخطاب،يمكن القول إن جلالته أراد أن يضع فاعلي الشأن العام أمام مرآة الحقيقة:
-أن الإصلاح لا يقاس بالشعارات أو الخطابات،بل بميزان الأثر في حياة الناس وأن التنمية الحقيقية لا تتحقق إلا إذا تحررت من المزايدات والمصالح الضيقة وأن المواطن يجب أن يظل في صلب القرار العمومي، لا في هامشه.
فالآية الكريمة في ختام الخطاب حملت معاني تتجاوز السياسة لتلامس جوهر الوعي الإنساني، إذ أعادت النقاش حول مفهوم الضمير الوطني باعتباره البوصلة التي تهدي كل مسؤول إلى الطريق المستقيم في ممارسة مهامه.
ومن هنا، يصبح الخطاب الملكي نداء أخلاقيا قبل أن يكون توجيها سياسيا دعوة إلى تحويل الإيمان إلى ممارسة والواجب إلى التزام والمسؤولية إلى عبادة في خدمة الوطن.
كما أن الاستشهاد بآية من سورة الزلزلة التي تتحدث عن يوم الحساب والعدالة الإلهية المطلقة،يرمز إلى أن العدالة الأرضية يجب أن تكون مرآة للعدالة السماوية. فالدولة في رؤيا الملك ليست فقط جهازا إداريا بل كيان أخلاقي يسعى لتحقيق الكرامة والمساواة بين جميع المواطنين دون تمييز بين مركز وهوامش،أو بين نفوذ وتهميش.
لقد أراد الملك محمد السادس أن يدخل البعد الأخلاقي إلى قلب الممارسة السياسية ليذكر بأن التنمية بلا قيم تفقد معناها وأن المسؤولية بلا ضمير تتحول إلى عبء على الوطن. ولهذا فإن الخطاب لم يكن مجرد افتتاح للسنة التشريعية،بل كان موعظة وطنية سامية تؤسس لمرحلة جديدة من الوعي السياسي القائم على الإخلاص وتضع الجميع أمام الحقيقة البسيطة والعميقة:
أن الله يرى وأن التاريخ لا ينسى وأن الوطن لا يقوم إلا على صدق من يخدمونه.



