أخبارالرئيسيةفي الصميم

زلة قلم:حين يصبح تضارب المصالح “عادياً”.. ماذا تبقّى من السياسة؟

بقلم :عبدالهادي بريويك

هناك شيء غير مريح في السياسة المغربية خلال السنوات الأخيرة. شيء يشبه الضباب الذي يغطي مشهدا نعرف تفاصيله جيدا، ومع ذلك نتظاهر بأننا لا نراه. فمنذ 2021، تراكمت حول حكومة عزيز أخنوش ملفات ثقيلة: صفقة تحلية الدار البيضاء، دعم استيراد المواشي، وصفقات الأدوية. ليست قضايا حسمها القضاء، ولا روايات نهائية، لكنها ليست مجرد “ضجيج معارضة” أيضا. إنها أقرب إلى مرآة تعكس أعطابا أعمق في طريقة اشتغال السلطة والمال.

1تحلية البحر… أم تحلية الثقة؟

في ملف محطة تحلية الدار البيضاء، لم يحتج الناس إلى انتظار تقارير تقنية. كان السؤال أبسط:

هل يمكن لرئيس حكومة يملك مصالح اقتصادية في قطاعات معينة أن يظل محايدا حين تُمنح صفقات عمومية بمليارات الدراهم؟

القانون يتحدث عن “تضارب مصالح محتمل”، لكن الشارع يسمي الأشياء بأسمائها: الشك وحده كاف لنسف الثقة.

الدولة قد تربح محطة جديدة، لكن هل ربحت معها ثقة المواطن؟ سؤال معلّق.

2دعم المواشي… حين يتحول الجفاف إلى فرصة ذهبية

قد يكون الدافع نبيلاً: مواجهة ندرة الأعلاف والحفاظ على القدرة الشرائية.

لكن النتيجة؟ ملايين الدراهم من الإعفاءات والدعم، مقابل أسعار لحوم بقيت مرتفعة.

من استفاد؟

لا أحد يعرف بدقة، لأن الحكومة لم تنشر بيانات مفصلة.

هنا تتجلى المعضلة: حين تغيب الشفافية، يصبح أي دعم اجتماعيا في الظاهر، واقتصاديً في الجوهر، وربما ريعا في العمق.

3الأدوية… الباب الذي لا ينبغي أن يُفتح

لا شيء أكثر حساسية من قطاع الصحة. لذلك، حين خرج نواب البرلمان يتحدثون عن صفقات أدوية تُمنح لأطراف “وزارية”، كان من الواضح أننا أمام ملف لا يُطوى بسهولة.

حتى الآن، لا إدانة ولا أحكام. لكنه ملف يكشف هشاشة المنظومة، ويطرح سؤالاً مرعباً:

من يربح حين يتعلق الأمر بصحة الناس؟

أزمة حكومة أم أزمة نموذج؟

الحكومة الحالية ليست الأولى التي تُتهم بسوء الحكامة، لكنها الأولى التي يظهر فيها تداخل المال والسلطة بشكل بهذا القدر من العلنية.

ليس لأن المسؤولين أكثر سوء من سابقينهم، بل لأن الاقتصاد أصبح أقوى من السياسة، والسلطة التنفيذية بدورها أصبحت أقرب إلى “مجلس إدارة” منه إلى حكومة منتخبة.

ما ينقص المغرب اليوم ليس قوانين جديدة، فالدستور واضح في منع تضارب المصالح والريع.

ما ينقصه هو الإرادة: إرادة أن يفهم المسؤول أن الشبهات وحدها تؤلم المؤسسات، وأن الحكامة ليست وثيقة تُوقّع، بل سلوك يتجسّد.

فحين تتكرر الشبهات في الماء، والغذاء، والدواء، فنحن لا نواجه “ملفات” بل نواجه منظومة تقبل الالتباس.

وهنا يكمن الخطر الحقيقي:

ليس أن بعض المسؤولين قد يخطئون، بل أن المواطن قد يتوقف عن الاعتقاد بأن أحدا يملك الحق أو القدرة على محاسبة أحد

السياسة تبدأ حين تنتهي الامتيازات.

وأخشى أننا اليوم نعيش العكس تماما.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button