النماذج التطبيقية للتمويل التعاوني الاليكتروني

بقلم:هايمون سعيدة

عرف قطاع التمويل تطورا مزدهرا في السنوات الأخيرة نتيجة الانتشار الكبير الذي شهدته التكنولوجية المالية خاصة انتشار التقنيات المالية او ما يعرف fin tech,أدى هذا التطور السريع الى ظهور التمويل التعاوني الاليكتروني، أو ما يصطلح عليه بالتمويل الجماعي، crowdfunding الذي يعد بديلا حديثا حل محل الطرق التقليدية في الحصول على التمويل المالي.

ويشمل انتشار التمويل الجماعي نطاقا جغرافيا واسعا، بحيث تتصدر الولايات المتحدة الأمريكية قمة لائحة الدول بما قيمته 17.2مليار دولار أمريكي تليها كل من أسيا وأروبا بما قيمته 10.54مليار دولار أمريكي ثم تأتي بعد ذلك باقي دول العالم . على ضوء هذه التطورات التي عرفتها التكنولوجية المالية سنسلط الضوء على بعض التجارب التطبيقية لبعض الدول الرائدة في التمويل التعاوني الاليكتروني، والتي من بينها تجربة الولايات المتحدة الامريكية باعتبارها رائدة في هذا المجال ثم التجربة السعودية والتجربة الجزائرية.أولا الولايات المتحدة الامريكية:Fintech* شهدت تقنية التكنولوجيا المالية في المملكة المتحدة نموًا سريعًا بلغ عام 2016 أكثر من 8.2 مليار يورو، في حين بلغ حجمه على مستوى السوق الأوروبي ككل باستثناء المملكة المتحدة نفسها 1.1 مليار يورو فقط (CCAF, 2018a, 21.

وتشير الإحصاءات في المملكة المتحدة إلى أن حجم التمويل البديل القائم على القروض التجارية بلغ عام 2013 حوالي 480 مليون جنيه إسترليني. وبلغ التمويل القائم على القروض الاستهلاكية 300 مليون جنيه إسترليني.

كما بلغ حجم التمويل المتعلق بقروض تمويل الشركات الصغيرة 193 مليون جنيه إسترليني، في حين بلغ تمويل المشاريع 20 مليون جنيه إسترليني، وبلغ التمويل القائم على المكافآت 44 مليون جنيه عام 2013 (CCAF, 2017, 18).وارتفع الطلب على منصات التمويل الجماعي في المملكة المتحدة عام 2019 ليبلغ حوالي 88 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل 67.6 مليار جنيه إسترليني، في حين بلغ التمويل الجماعي للشركات حوالي 10.1 مليار جنيه إسترليني، وبلغ حجم التمويل العقاري 6.9 مليار جنيه إسترليني، كما بلغ حجم التمويل الاستهلاكي حوالي 19.1 مليار جنيه إسترليني. ورغم انخفاض عدد الشركات لكن بحجم تعاملات فاق 500 مليون دولار أمريكي سنة 2019 (CCAF, 2020, 23).

ولتأكيد فكرة كون المملكة المتحدة مركزًا عالميًا للتمويل الجماعي Global Hub of Alternative Finance، فقد عرفت التمويل الجماعي تسيرًا مؤسساتيًا منذ عام 2014، حملة تنظيم من طرف العديد من الهيئات المالية الرسمية بأهداف ومسؤوليات مختلفة، منها: مبادرة بنك إنجلترا لتسريع التمويل بالتكنولوجيا، وبرامج البنك البريطاني للاستثمار لدعم التمويل بالتكنولوجيا، وصندوق لندن للاستثمار المشترك لدعم شركات التكنولوجيا المالية (CCAF, 2018b, 17).وبالنظر إلى ما سبق يتبين ريادة المملكة المتحدة في استخدام التكنولوجيا المالية، لذا كان دخول منصات التمويل الجماعي سريعًا إلى سوق العمل، ولقد كانت الإسهامات المالية السريعة للممولين فعالة في تسريع انتشار التمويل الجماعي في المملكة المتحدة، ومن المتوقع تحقيق المملكة المتحدة مزيد من النمو في هذا المجال خاصة في ظل التزايد المتسارع في حجم التمويل الجماعي .وفي هذا السياق نشر موقع “ذا بالانس سمول بيزنس” تقريره لأفضل سبعة مواقع للتمويل الجماعي في 2020، وذلك بعد فحص 20 موقعًا مختلفًا من مواقع التمويل الجماعي الشهيرة، وقراءة مراجعات المستخدمين سواء السلبية أو الإيجابية. و سنذكر منها ثلاثة على سبيل المثال لا الحصر وهي:** ليندينج كلوب ” LendingClub”:يقدم موقع ” ليندينج كلوب” تمويلاً يصل إلى 4 آلاف دولار للقروض الشخصية، وآخر يصل إلى 300 ألف دولار للقروض التجارية، وعادة ما تكون عملية الحصول على القروض من الموقع أسرع من البنوك التقليدية. يمكن لرواد الأعمال الحصول على قرض تتراوح مدته من سنة إلى خمس سنوات، ويمكن أن تكون معدلات الفائدة مرتفعة اعتمادًا على درجة الائتمان الخاصة برائد الأعمال، ويتراوح إجمالي الفائدة السنوية عادة بين 9.17 و35.71%.- سيركيل أب ” CircleUp”:يناسب هذا الموقع أولئك الذين يؤسسون علامة تجارية للمستهلكين، إذ ساعد الموقع في جمع 260 مليون دولار لـ 196 شركة ناشئة.ويعد “سيركيل أب” وسيلة للتواصل مع الخبراء وتجار التجزئة ورواد الأعمال، ويمكن من خلاله التواصل مع المستثمرين المعتمدين الذين تبلغ ثروتهم مليون دولار على الأقل، ولا يقل دخلهم السنوي عن 200 ألف دولار، وتناسب هذه المنصة رواد الأعمال الذين يتطلعون إلى التوسع، إلا أنه يجب أن يكون لدى رائد الأعمال إيرادات لا تقل عن مليون دولار لإدراجه في الموقع.- جو فاند مي” GoFundMe:هو موقع أمريكي يتيح للأشخاص جمع الأموال والتبرعات للمناسبات المختلفة بما في ذلك حفلات التخرج وحتى الحالات الطارئة مثل الحوادث والأمراض.

ويناسب هذا الموقع أولئك الذين يجمعون تبرعات للاحتياجات الطبية والإغاثات، وقد قام الموقع بالفعل بعدة حملات ناجحة بما في ذلك صندوق ضحايا لاس فيجاس (11.8 مليون دولار)، لكن من ناحية أخرى قد لا تتمكن الشركات الناشئة التقليدية من جمع تمويل بهذا الحجم عبر “جو فاند مي”. ** بعد استعراض أبرز منصات التمويل الجماعي العالمية ونماذجها المتنوعة، يتضح الدور الكبير الذي لعبته هذه التجارب في دعم الابتكار والمشروعات الناشئة عبر الإنترنت. وقد أسهمت النجاحات الدولية، خصوصًا في الولايات المتحدة، في ترسيخ هذا النموذج كأداة تمويل فعّالة تعتمد على المشاركة المجتمعية. وانطلاقًا من هذه الخبرات، اتجهت المملكة العربية السعودية إلى تبنّي التمويل الجماعي وفق إطار تنظيمي منضبط. فقد وضعت هيئة السوق المالية والبنك المركزي ضوابط واضحة، وأصدرت تراخيص لمنصات

وطنية تعمل وفق أحكام الشريعة. وهكذا أصبحت المملكة من الدول الرائدة عربيًا في تنظيم هذا القطاع وتعزيز دوره في دعم رواد الأعمال ضمن مستهدفات رؤية 2030.ثانيا التجربة السعودية:*من خلال رؤية السعودية 2030، قامت المملكة العربية السعودية بتجييع الأفراد على الانخراط في السلسلة الإنتاجية قصد الخروج من الركود والهشاشة وتبني الاقتصاد الوطني المبني على روح المبادرة والتي أشرفت عليها خاصة هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، حيث 1+سجلت المملكة العربية السعودية في نهاية سنة 2021 أكثر من 1.140مليون مؤسسة منها 17.000 مؤسسة ناشئة، لكن طموح المملكة واصل التقدم نحو الأهداف المسطرة لتسجيل 265.268 مؤسسة ناشئة في نهاية سنة 2022، لتواصل النمو ودعم الأفراد الراغبين في تجسيد أفكارهم وتسجيل 588.1.138 مؤسسة ناشئة في نهاية سنة 2023 .

هناك ثماني منصات تمويل جماعي تمارس نشاطها عملياً في السوق السعودي، وهي منصات “منصور”، “أسهم”، “إمكان المالية”، “سكوبير”، “وقود المالية”، و”أنمي”، و”ليندة”، و”كفالة البلد”، وكلها المرخصة المحدودة. سنقتصر على ذكر منصة سكوبير على سبيل المثال لا الحصر منصة “سكوبير Scoper” للتمويل الجماعي”سكوبير” هي أول منصة تمويل جماعي مصرح بها من قِبل السوق المالية في تاريخها في المملكة العربية السعودية، والتي تقدم فرصاً استثمارية متنوعة للمستثمرين عن طريق طرح حصص من أسهم الشركات الناشئة للمجتمع. كما توفر “سكوبير” للمستثمرين المهتمين بالاستثمار في مشاريع ريادة الأعمال الواعدة.بناءً على نظام السوق المالية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (30/م) بتاريخ 2/6/1424هـ وتعليمات تصريح تجربة الاستثمار الجماعي الصادرة عن مجلس هيئة السوق المالية بموجب القرار رقم 4-50-2018 بتاريخ 23/1/1439هـ الموافق 10/10/2018م، فإنه يمكن لأي شركة أن تتقدم بطلب طرح الأسهم عبر التقنية المالية (فينتك) في السوق المالية بالمملكة، ويتم دراسة الملف وتحويله إلى مجلس الإدارة للموافقة عليه. حيث يكون للعميل المقدم من شركة التمويل الجماعي المستفيدة نسبة لأرباح المتفق عليها مسبقاً.وبناءً على ما سبق تصبح شركة التمويل الجماعي المدرجة من اختيار منصة منح الملكية الجماعية، الذي يساهم في نجاح المشاريع الصغيرة، كما تتحصل الشركة الناشئة المنضمة مقابل نسبة خدمة، وتقدم تلك الخدمة من خلال منصة إلكترونية.

ثالثا التجربة الجزائرية:في الجزائر تشمل أهداف التمويل الجماعي في توفير الأموال لرواد الأعمال الجزائريين أصحاب المؤسسات والمشاريع الاجتماعية الذين يرغبون في تنفيذ مشروع من خلال جذب المستثمرين وإقناعهم من خلال منح المال بمكافأة. ومن بين المنصات الاليكترونية الخاصة بالتمويل الجماعي في الجزائر ، ما يلي:منصة تويزة Twisa16: برزت للوجود في شهر جويلية من عام 2013 أسسها منصور كريم وندير علام، قائمة على جمع التبرعات (التمويل الجماعي من نوع التبرع).منصة شريك Chriky17: أُنشأت في عام 2014،

قائمة على التمويل الإستثماري18.منصة نيفينستي Nivnesti19: أُنشأت سنة 2016 لمؤسسيها شهاب كريم، تهدف لتمويل المشاريع عبر أساليب تمويل متنوعة كالاستثمار، القرض والتبرع.منصة خيماء Kheymat20: ظهرت للوجود سنة 2020، قائمة على التمويل التبرعي.إلا أن جميع المنصات خارج الخدمة عند كتابة هاته الدراسة، قد يكون السبب لعدم نجاحها وخروجها من الخدمة.وأخيرا منصة ينفيستي Yinvesi: التي تعتبر جد حديثة، فقد أُنشأت سنة 2023 من قبل عبد الرحيم عبد اللاوي، خريجين بوليقة وشمس الدين .وانطلاق مما سبق يتبن لنا من خلال المقارنة بين النماذج الثلاثة وان لم نتعمق في دراستها أن الولايات المتحدة مثلت أساس الإطار القانوني العالمي للتمويل الجماعي، بينما استطاعت السعودية أن تستفيد من التجارب السابقة وتقدم نموذجًا عربيًا متقدمًا قائمًا على التنظيم الدقيق والتحول الرقمي. أما الجزائر فهي في مرحلة البناء والتهيئة، وتسير نحو تبنّي نموذج يتكامل مع توجهاتها في الاقتصاد الاجتماعي التضامني.وتبرز هذه التجارب مجتمعة أن نجاح التمويل الجماعي يعتمد على وضوح التشريع، ورقابة الدولة، وتحفيز الابتكار الرقمي، وتعزيز الثقة المجتمعية. وهي عناصر جوهرية يمكن أن تتبناها الدول الراغبة في تطوير منظومة تمويل حديثة تخدم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

بقلم:هايمون سعيدة