المرأة الأربعينية والخمسينية: حين يكتمل الحُسن بالعقل ويشتدّ العشق بالنضج

بقلم/ زهير أصدور
ليست الأربعون والخمسون مجرد أرقام في تقويم الزمن، بل هما محطّتان متألقتان في رحلة الأنوثة. إن المرأة التي بلغت هذا العمر لم تعد تحبو في دروب الحب ولا تلهو على أطرافه، بل هي السيدة التي استوى فيها الجسد والروح، والنضج والعاطفة، حتى أصبحت تجسيدًا لفتنة ناعمة تسير بخطى واثقة، لا تهزمها الأعوام بل تخلع عليها مسحة من الهيبة والبهاء.
في هذا العمر، لا يعود الجمال جسدًا فحسب، بل يصبح قصة، رواية مكتنزة بالمواقف والانكسارات والانتصارات. كل تجعيدة على وجهها تحمل توقيع لحظة صادقة، وكل لمعة في عينيها هي ضوء من عمق التجربة.
جمالها ليس متاحًا للجميع، بل يُلهم من يستطيع أن يرى ما وراء الظاهر، من يقرأ التفاصيل ويصغي لصمتها المليء بالمعاني.
المرأة الأربعينية والخمسينية أنثى نضجت على نار الحياة، فلم تذُب، بل تماسك طينها وتوهّجت. حين تحب، تفعل ذلك لا لتُجرِّب، بل لأنها عرفت قيمة الحب، ونضجت كفاية لتُحسن منحه.
حين تبكي، لا تبكي ضعفًا، بل طُهرًا. دموعها لا تُرى بسهولة، وإن فاضت، فاعلم أن خلفها خزانًا من الصبر وأسطولًا من الذكريات.
هي الطفلة في عاطفتها، الأم في حنانها، العاشقة في جنونها، والفيلسوفة في قراراتها.
ما يجهله كثيرون هو أن المرأة في هذا العمر لا تسعى لإثبات أنوثتها، لأنها تجاوزت مرحلة الإثبات إلى التجلّي.
أنوثتها متحررة من المقارنات، من النزوات، من الحاجة إلى اعتراف خارجي. هي تعرف من تكون، وتعرف ماذا تريد، وتعرف أيضًا متى ترحل ومتى تبقى.
ولذلك، فإن حبها لا يُشبه سواه: هو ملاذ لا مهرب منه، نار على مهل، وموجة تسكنك قبل أن تغمرك.
في نظراتها فلسفة، وفي صمتها حكمة، وفي خطواتها عزفُ زمنٍ يعرف كيف يُدهشك بهدوء. ليست ضد المراهقات، ولكنها البديل الكامل لمن فهم أن الجسد لا يصنع الحكاية، بل ما يُسكب فيه من شعور، وما يُرفق به من رُقي.
المرأة الأربعينية والخمسينية، ليست مرحلةً متأخرة من العمر، بل هي ذروته.
هي ليست الربيع الذي مضى، بل الخريف الذي يرقص تحت المطر، ينثر ذهب أوراقه في الريح، ويُشعل الذاكرة بعطر ناضج لا يشبه الورد الصغير.
ولذلك، من لم يعشقها، لم يعرف العشق بعد.



