النقد بين التمكين والادعاء شهادة في زمن ازدحام الألقاب

بقلم/ ذ.عبد الله دكدوك
بداية ومن خلال هذه الكتابة اسلط الضوء على تجربة ناقد كبير متتبعا مھتما بمسيرته النقدية التي تميزت بالعمق والتجديد ومستعرضا إنجازاته وإسهاماته التي أثرت المشهد الأدبي المغربي والعربي بكل اعتزاز وافتخار.
..لم يكن يوما مجرد ناقد عابر بل مفكر ارتقى بالنقد إلى مستوى الممارسة الواعية متجاوزا حدود التحليل السطحي إلى التأويل العميق أسعى في هذا المقام إلى إبراز مكانتھ بين كبار النقاد والتأكيد على دورھ في تطوير النقد الأدبي وتأطير الأجيال ليظل اسمھ علامة مضيئة في سماء الفكر والمعرفة.
ھو بالاساس دكتور للاجيال وأحد أعمدة النقد المغربي الموسوم باسم عمرو كناوي الناقد المتمكن من أدواتھ النقدية لغة ودراية..
لا يمكننا أن نعتبرھ مجرد ناقد مترامي الأطراف أو شخصا يقتصر على استيراد المناهج الغربية وإلباسها ثوب النقد العربي المغربي هو بعيد عن التكرار الذي أنتجتھ مواقع التواصل الاجتماعي بل هو مفكر ومثقف وأديب مغربي صنعت تجاربھ والأحداث التي مرت بها شخصيتھ النقدية مما أضاف إلى فهمھ الفكري واللغوي وأثرى ممارستھ النقدية.

حرص د.عمرو كناوي على أن يكون قارئا مغربيا أصيلا قادرا على نقل جماليات النصوص التي يصل إليها وتحليلها نقديا بأسلوب مغربي متميز في زمن أصبح فيھ الكثير من الناس يتسابقون على لقب ناقد بمجرد قراءة رواية أو اثنتين سعيا للوصول إلى أهداف شخصية من خلال التفاخر والنفوذ الباهت
يأتي د.عمرو كناوي ليكون الناقد الحقيقي الذي صعد سلم النقد خطوة خطوة محققا إنجازات معتبرة مما جعلھ صاحب بصمة واضحة في النقد الأدبي وھو اليوم يصنف بين كبار النقاد ليس على الصعيد المغربي فقط بل على الصعيد العربي أيضا انا لا أدعي ھنا تصنيف الرجل لكنھ بلا شك يعد من كبار النقاد بمدينة مكناس إلى جانب أسماء وازنة مثل محمد ادارغة د. مصطفى الشاوي محمد بوحاشي ذ.ادريس زايدي وإبراهيم قهوايجي وغيرهم ممن تدرجوا وفق قواعد البحث العلمي حتى استحقوا عن جدارة صفة الناقد وشتان بين من ذكرنا ومن ولدوا بين عشية وضحاھا بقدرة قادر .. سبحان اللھ ..عجبي!!
لعمري قد يتساءل البعض هل أتحدث عن ناقد متمكن أم أنھا مجرد مجاملة عابرة؟والجواب متروك لكل مشكك إذ أدعوھ لمتابعة سالف حلقات برنامج حديث الثلاثاء الذي أعدھ وأقدمھ ضمن سلسلة برامج على صفحتي علم فمن ضيف إلى مرافق إلى محاور الى مرجعية ستفتح لكم الحلقات افاقا واسعة تتيح لكم من خلال تحليلاتھ وقراءاتھ التعرف على الأسباب الحقيقية التي تجعل منھ أديبا وناقدا يستحق هذا اللقب عن جدارة. لنقول معا ان الدكتور عمرو كناوي ليس مجرد باحث أكاديمي أو ناقد أدبي فقط بل هو رجل فكر ومعرفة بامتياز حمل على عاتقه مهمة تكوين الأجيال وإغناء المشهد النقدي المغربي بأسلوب تحليلي رصين ومناهج نقدية متعددة فهو أستاذ باحث ومكون سابق لهيئة التدريس بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بجهة فاس مكناس ما يجعله مساهما أساسيا في تطوير كفايات التدريس خاصة في ما يتعلق بتدريس اللغة العربية وديداكتيك الأدب.
يمتد إنتاج الدكتور كناوي ليشمل التحليل النقدي للنصوص الأدبية سواء في الرواية أو الشعر إضافة إلى اهتمامھ بتطوير الحس النقدي لدى المتعلم فقد تناول في كتابھ إعمال الحس النقدي لدى المتعلم (2004) أهمية تنمية قدرة المتعلم على التحليل والتفكيك ما يعكس وعيھ العميق بالدور التربوي للنقد الأدبي
كما أن اهتمامھ بـ “الفضاء الروائي في أعمال سحر خليفة(2011) يعكس انفتاحھ على الرواية العربية النسائية وهو ما تعززھ دراستھ حول استراتيجية الكتابة النسائية التي صدرت في طبعتين (2012/2021) حيث اشتغل على مقاربة أسلوبية وسيميائية للكتابة النسائية وأدواتها الجمالية.
أما في مرامي السخرية في رواية الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل(2000) فقد قدم قراءة تأويلية تتجاوز التحليل السطحي للنص إذ أبرز كيف أن السخرية ليست مجرد تقنية جمالية بل أداة نقدية حادة تستبطن نقدا عميقا للواقع السياسي والاجتماعي.
لقد شارك الدكتور كناوي في عدة أعمال نقدية جماعية أبرزها على النهج (2018) وهو كتاب مشترك حول التجربة الشعرية لإسماعيل زويريق طلة في الأدب المغربي (2015) الذي يضم قراءات متنوعة في المشهد الأدبي المغربي دراسات نقدية حول الشاعرة مليكة العاصمي تجلت في كتابيھ مليكة العاصمي شاعرة الأسئلة الكبرى(2023) ورائدة الفكر المغربي (2023) مما يبرز اهتمامھ بالخطاب الشعري النسائي المغربي.
إضافة إلى ذلك فقد كان حاضرا في الندوات الأكاديمية خاصة في ما يتعلق بديداكتيك تدريس اللغة العربية والتكوين التربوي حيث شارك في ندوة علمية بسيدي قاسم حول دور التكوين في تنمية كفايات المدرس (2023) لم يكن الدكتور عمرو كناوي ناقدا أكاديميا منعزلا عن المشهد الأدبي بل كان دائم الحضور ولا يزال في مشاريع القراءة النقدية للأدب المغربي والعربي فقد قدم قراءات متعددة في الشعر والرواية منها
أشجار نصيرة الجذلى لعبد الناصر لقاح
من هاجر يأتي زمزمھ لمحمد شنوف
مراقي العشق للدكتور مصطفى الشاوي
تمظهرات التصوف في إشراق العشق للكاتب الفلسطيني زياد حميدان
رقصات ذكور النحل للشاعرة السورية ثناء صالح
كما انفتح على السرد حيث قدم قراءات في ارابيا وأشياء أخرى وفوضى الحواس
أصول الحب للشاعر علي الشميري
ولحظات معراج للشاعرة خديجة بوعلي
وورد ورماد لمحمد برادة ومحمد شكري
سيلفي القصصية للمصطفى كليتي
والأعمال الكاملة لمحمد العتروس: حيث يشيرد.عمرو كناوي إلى تداخل النص السردي والنص البصري في أعمال محمد العتروس .
لا يزال الدكتور عمر كناوي يثرينا بمشاريعھ النقدية القادمة إذ ينتظر صدور تباريح الحب وأوجاع الوطن في ديوان نهر وضفاف لخالد شوملي كما يعمل على مشروع قراءة في الشعر والنثر الذي سيكون إضافة نوعية للمقاربة النقدية للنصوص الأدبية.
واتمنى صادقا ان يبقى دكتورنا على صلة مع ماضيھ المشرق فلا ينسى ان يوثق للقاءاتنا بھ في برنامج حديث الثلاثاء لانھا حلقات تستحق من دكتورنا عناء الكتابة عنھا .
اعود فاقول إن الحديث عن الدكتور عمرو كناوي هو حديث عن معلمة نقدية مغربية رجل جمع بين العمق الأكاديمي والرؤية الإبداعية فكان أستاذا وموجها وناقدا من طراز رفيع لم يكن النقد عندھ مجرد تحليل للنصوص بل كان مشروعا فكريا وتربويا متكاملا.
لقد كان لھ دور أساسي في تكوين أجيال من الطلبة والباحثين حيث عرف بأسلوبھ الراقي في التوجيھ والتأطير فلم يكن ناقدا متعاليا على طلبتھ أو زملائھ بل كان مشجعا وداعما لكل مشروع إبداعي أو نقدي جاد وھادف .
وفي ذات السياق يمكن القول بأن مكناسة الزيتون تفخر بابنهاالبار باصولھ المراكشية الذي أغنى المشهد الثقافي المغربي وأعطى من علمھ وفكرھ دون كلل فهو دكتور الأجيال بامتياز وناقد الفكر والجمال بالق وتوھج وصاحب البصمة الراسخة في النقد المغربي بدون منازع.
إن الحديث عن الدكتور عمرو كناوي لا يمكن أن يختزل في صفحات معدودة فمسيرتھ الأكاديمية والنقدية تشهد على غزارة فكرھ وتعدد اهتماماتھ وإن تكريم اليوم من خلال ھذا الاجتھاد المتواضع هو تكريم لثقافة النقد والتأويل وتقدير لشخصية جمعت بين التحليل العميق والأفق الواسع والروح التربوية الهادفة
تعلم دكتورنا المفخرة أن لك مكانة راسخة في القلب فإن أصبت فذاك تواضع المتعلم الذي لا يزال ينهل من معين المعرفة وإن أخطأت فهي رحمة من اللھ أن أستفيد منكم وأجد في دربكم ما ينير لي الطريق وما ذاك الذي أتوخاھ كل يوم إلا سلاحا أرفعھ في وجھ جهلي أستلھ من صفحات القراءة والتطلع متعطشا لما تزخر بھ عقول النابهين وأفكار المتنورين.من امثالكم دكتورنا الماجد الالمعي الاريب.