إيقاعُ أنفاسٍ بعد الإنهاك …

إيقاعُ أنفاسٍ بعد الإنهاك …
سمعتك…
لا حاجة للكلمات أن تقول كل شيء،
ولا لصداها أن يبرر الحضور.
فكثيرٌ يُقال في الغياب،
وكثيرٌ يُفهم من الغموض.
سمعتُ ما لا يزال لديك
يبحث عن اسمٍ،
ليس اعتذارًا،
ولا ندمًا،
بل نداءً خافتاً،
وإن تأخّر،
وصدى قلبٍ
تُلامسه ولا تُمسكه.
جئتَ كأنفاس الريح،
لحظة تعود لتداعب الوجوه.
كنتُ أُصغي —
لا لصوتك،
بل لما انكسر قبله،
لذلك النبض المرتبك
الذي خاف أن يصبح كلامًا،
عصى عليه أن يُفصح.
لم أكن أنتظر شيئًا،
وها أنت الآن
تنطق من بين شقوق الصمت
بما عجزتَ عن قوله آنذاك.
حين يتحدث الصمت،
تتسرّب المعاني بيننا
بلا أسماء جديدة،
فكلامك لم يكن متأخرًا،
ولا سابقًا لأوانه،
بل جاء في ساعة الذاكرة —
التي لا تَعُدّ المواسم،
بل تزن الأثر
السّاكن في أعماق القلب.
في غيابك،
لم أهرب،
بل بقيت على تخوم الانتباه.
لم تكن المسافات هي البُعد،
بل الأيام حين تتلاشى برفق،
وحين تستعيد الفكرةُ أنفاسها
خارج صخب العالم،
بعيدًا عن يقينٍ لا يرحم،
وسؤالٍ ينتظر جوابًا.
وكلما هممتُ أن أُنهي الحكاية،
عاد منها ما لا يموت،
لا شوقًا،
بل حضورًا لا يغادر،
عنادا لا ييتسلم.
نعم،
فارقتُ كهفي،
لكنني لم أطلب الشمس دفعة واحدة،
خشيتُ على المعنى،
فقد يحرقه الضوء.
وها أنت تعود،
وفي إصرار عينيك
بعض الصدق،
وبعض التردّد،
كلاهما معًا.
لا أريد أن أُثبّت الزمن،
بل أن أفتح له نافذة.
أنت هنا،
لا كظلّ ذكرى،
بل كصوتٍ يعرف الطريق في الداخل.
وأنا هنا،
لا أطالب،
لا أقاوم،
لا أتراجع،
بل أُصغي
كما يُصغي الجسد لنبضٍ
استعاد إيقاعه،
بعد تعبٍ طويل.
عبداللطيف زكي
الرباط، في 8 ماي 2025



