تراجع أسعار النفط يثير مخاوف المنتجين رغم فوائده للمستهلكين

يشهد سوق النفط العالمي تراجعًا ملحوظًا في الأسعار، لم يسجل له مثيل منذ ذروة جائحة كوفيد-19، وذلك تحت تأثير عوامل متعددة أبرزها سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ودعوته المستمرة لزيادة إنتاج النفط محليًا، بالإضافة إلى قرار تحالف “أوبك بلاس” الأخير بزيادة حصص الإنتاج.
وفي حين يعتبر هذا الانخفاض في أسعار الخام خبرًا إيجابيًا للمستهلكين على مستوى العالم، إلا أنه يثير مخاوف وقلقًا لدى الدول والشركات المنتجة للنفط، وفقًا لتحليلات الخبراء.
فقد انخفض سعر برميل خام برنت بحر الشمال المرجعي حاليًا إلى أقل من 65 دولارًا، وهو مستوى يبتعد كثيرًا عن الذروة التي بلغها في عام 2022، عندما تجاوز 120 دولارًا للبرميل عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، التي تعتبر منتجًا رئيسيًا للنفط.
– تراجع التضخم.. سلاح ذو حدين
ساهم هذا الانخفاض في أسعار النفط بشكل فعال في تراجع معدلات التضخم العالمية، كما دعم النمو الاقتصادي في الدول التي تعتمد بشكل كبير على استيراد الخام، مثل معظم دول أوروبا. وعلى سبيل المثال، تراجع مؤشر أسعار المستهلك في الولايات المتحدة بنسبة 11.8% على أساس سنوي في شهر أبريل الماضي.
ويرى بوشبن سينغ، خبير الاقتصاد لدى “مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال” البريطاني (Cebr)، أن تراجع أسعار الخام “يزيد من مستوى الدخل المتاح” الذي يمكن للمستهلكين إنفاقه على “الكماليات” مثل الترفيه والسياحة.
كما أشار إلى أن انخفاض سعر برميل خام برنت بأكثر من عشرة دولارات مقارنة بالعام الماضي أدى إلى تراجع تكلفة مختلف أنواع الوقود المشتقة مباشرة من النفط، وهو ما يساعد في خفض تكاليف النقل والتصنيع، الأمر الذي قد ينعكس إيجابًا على أسعار السلع الاستهلاكية على المدى المتوسط.
ومع ذلك، لفت سينغ إلى أنه بينما يعتبر تراجع أسعار الخام نتيجة جزئية لسياسات ترامب التجارية، فإن توقع التأثير الصافي على التضخم يبقى أمرًا صعبًا في ظل احتمالية حدوث زيادات في تكاليف مدخلات أخرى، مثل المعادن.
وأضاف أن “النفط الأقل ثمنًا يمكن أن يجعل مصادر الطاقة المتجددة أقل تنافسية، مما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تباطؤ الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة”.
– تحديات تواجه منتجي النفط
من جهته، أكد أوله هانسن، المسؤول عن إستراتيجية السلع الأساسية لدى “بنك ساكسو”، أنه مع تراجع الأسعار، فإن الخاسرين بلا شك هم البلدان المنتجة للنفط، “خاصة المنتجين ذوي التكلفة العالية المجبرين بناءً على الأسعار الحالية الأقل على تخفيف الإنتاج في الأشهر المقبلة”.
واتفق معه خورخي ليون، المحلل لدى “رايستاد إنرجي”، الذي أوضح أن بلوغ سعر برميل النفط 60 دولارًا أو أقل “لن يكون أمرًا رائعًا بالنسبة لمنتجي النفط الصخري” أيضًا، وأن “تراجع أسعار النفط سيضر بالتنمية لديهم”. وقد أعلنت بالفعل بعض الشركات العاملة في استخراج النفط والغاز الصخريين عن خفض الاستثمار في حوض برميان الواقع بين تكساس ونيو مكسيكو.
أما بالنسبة لتحالف “أوبك بلاس” النفطي بقيادة السعودية وروسيا، فتتباين القدرة على التكيف مع الأسعار المنخفضة بشكل كبير. ويشير ليون إلى أن السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت لديها احتياطات نقدية تتيح لها الاستدانة بسهولة لتمويل مشاريع اقتصادية متنوعة.
وتوقع هانسن أن “الرابحين على المدى الطويل من المرجح أن يكونوا كبار منتجي أوبك بلاس، خصوصًا في الشرق الأوسط، في وقت يستعيد هؤلاء حصصًا في السوق خسروها منذ العام 2022 عندما شرعوا في خفض طوعي للإنتاج”.
وكان التحالف الذي يضم 22 بلدًا قد بدأ سلسلة إجراءات لخفض الإنتاج في عام 2022 لدعم أسعار الخام، لكن السعودية وروسيا وستة بلدان أخرى منضوية في التحالف فاجأت الأسواق مؤخرًا بقرار زيادة الإنتاج. وقد أعلنت هذه الدول السبت عن زيادات ضخمة في إنتاج الخام لشهر يوليو بواقع 411 ألف برميل يوميًا.
ويرى محللون أن هذه الزيادات تهدف على الأرجح إلى معاقبة أعضاء “أوبك” الذين فشلوا في الوفاء بحصصهم، لكنها تأتي أيضًا بعد ضغوط من الرئيس ترامب لخفض الأسعار.
ويؤثر هذا الوضع بشكل مباشر على دول مثل إيران وفنزويلا اللتين يعتمد اقتصادهما بشكل كبير على عائدات النفط. كما تضر بيئة الأسعار المنخفضة بدول مثل نيجيريا التي تعتبر قدرتها على الاستدانة أكثر محدودية، على غرار أعضاء آخرين في “أوبك بلاس”، بحسب الخبراء.
وحتى غويانا، الدولة غير العضو في “أوبك” والتي سجلت نموًا اقتصاديًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة بفضل اكتشاف النفط، تواجه خطر تباطؤ اقتصادها في ظل هذه الظروف.



