Hot eventsأخبارأخبار سريعة

صفقة السيارات الفاخرة تكشف تناقضات وكالة الدعم الاجتماعي

في مفارقة أثارت استياء واسعاً في الأوساط الاجتماعية ومنصات التواصل، أطلقت الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي صفقة دولية لاستئجار 15 سيارة من طرازي سكودا وداسيا لمدة خمس سنوات. تبلغ التكلفة الإجمالية السنوية لهذه الصفقة، التي تحمل الرقم 08/ANSS/2025، حوالي 11.27 مليون درهم (ما يعادل مليار و127 مليون سنتيم)، ولا تشمل مصاريف الوقود أو الصيانة.

تأتي هذه الصفقة في وقت يُفترض فيه أن تخصص الوكالة ميزانياتها لخدمة الأسر الهشة والمحرومة. وقد أشار المنتقدون إلى أن تكلفة استئجار هذه السيارات تعادل الدعم المالي لألف أسرة فقيرة لمدة 20 عاماً، علماً بأن الوكالة تشرف على برنامج للدعم المباشر لا تتجاوز قيمته 500 درهم شهرياً للأسرة الواحدة. وفي المقابل، يتم إقصاء آلاف الأسر من هذا الدعم بناءً على معايير “جدلية”، مثل امتلاك جهاز تلفاز حديث أو اشتراك في الإنترنت، مما يحول منظومة الحماية الاجتماعية إلى آلية بيروقراطية قاسية بدلاً من أن تكون رافعة للعدالة الاجتماعية.

ويرى عدد من المتابعين أن الوكالة اختارت نموذج الكراء طويل الأمد بدلاً من الاقتناء المباشر، على الرغم من أن أسعار السوق تشير إلى أن شراء نفس السيارات لا يتجاوز نصف الميزانية المرصودة. وكان من الممكن لهذا الخيار أن يمكّن الوكالة من امتلاك أسطول دائم يمكن إعادة توظيفه مستقبلاً أو نقله للجماعات الترابية الفقيرة، بدلاً من تبديد الأموال العمومية في صفقات محدودة الأثر.

تعيد هذه الصفقة إلى الواجهة اسم وفاء جمالي، المديرة العامة الجديدة للوكالة منذ أكتوبر 2024، والمعروفة بقربها من رئيس الحكومة عزيز أخنوش. وقد شغلت جمالي مناصب استراتيجية في مجموعة أكوا ثم في وزارة الفلاحة وصولاً إلى ديوان رئاسة الحكومة، قبل أن توكل إليها قيادة وكالة يُفترض فيها الاستقلالية عن القرار الحزبي والسياسي. ويُنظر إلى هذه التعيينات المتسلسلة كامتداد لما يُعرف إعلامياً بـ”فيلق عزيز”، أي دائرة المسؤولين المقربين من زعيم حزب التجمع الوطني للأحرار، ممن جرى تمكينهم من مواقع حساسة في الدولة دون إشراك حقيقي للكفاءات المستقلة أو التكنوقراط.

تُدير الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي، بموجب القانون 59.23، واحدة من أضخم قواعد البيانات الاجتماعية في البلاد، والتي تشمل معلومات دقيقة حول دخل وممتلكات ملايين المواطنين. لكنها في المقابل لا تخضع لأي مجلس إداري يمثل المواطنين أو المنتخبين، كما لا توجد آليات رقابة مدنية أو برلمانية فعلية على أدائها. ويثير هذا الوضع مخاوف من استغلال سياسي محتمل لمعطيات الدعم، أو توجيه انتقائي للمساعدات لأغراض انتخابية، خاصة في ظل غياب الشفافية في بعض الصفقات التي تُقصى منها المقاولات الصغيرة بفعل شروط مالية مجحفة تتطلب رأس مال يفوق 6 ملايين درهم ورقم معاملات سنوي لا يقل عن 20 مليون درهم.

وعلى الرغم من التصريحات الرسمية التي تتحدث عن “رفع عدد المستفيدين إلى 4 ملايين أسرة”، إلا أن الواقع يُظهر اتساع دائرة الإقصاء وبطء الاستجابة وارتفاع كلفة الإدارة على حساب المستهدفين أنفسهم. ومع كل صفقة من هذا النوع، يتعزز الانطباع بأن مؤسسات الحماية الاجتماعية تتحول تدريجياً إلى أجهزة تقنية بيروقراطية فاقدة للبوصلة الاجتماعية، وأن شعار “الإنجاز” الذي ترفعه الحكومة يترجم فعلياً إلى إنجازات فقيرة للفقراء وامتيازات سخية للكبار. تعكس صفقة السيارات الأخيرة خللاً عميقاً في تصور السياسات الاجتماعية بالمغرب، حيث يتم التركيز على “الوسائل” بدلاً من “الغايات”، وتفضيل الوجاهة الإدارية على الفعالية الاجتماعية، كما تُظهر أن غياب المساءلة والرقابة الحقيقية يُغذي قرارات قد تبدو قانونية لكنها بعيدة عن الحس الوطني والعدالة الاجتماعية.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button