عين الحدث الافريقي: المغرب… صعود واثق في زمن التحولات

إعداد وتحرير : مصطفى بوريابة
في زمن يضج بالتحولات الجيوسياسية والاقتصادية، ويزداد فيه التنافس على مراكز التأثير الإقليمي والدولي، يواصل المغرب رسم ملامح موقعه الجديد كلاعب محوري في منظومة الجنوب-الجنوب، وشريك موثوق في شمال المتوسط، بفضل رؤية ملكية متبصرة تجمع بين الواقعية السياسية، والابتكار المؤسساتي، والتنمية المتوازنة.
الدينامية التي تشهدها المملكة لم تعد خافية على أحد؛ فمن دعم دولي متزايد لمبادرة الحكم الذاتي – كما أكدته مؤخرًا جمهورية مقدونيا الشمالية – إلى تموقع اقتصادي جاذب تُشيد به كبريات الصحف الدولية مثل لافانغارديا الإسبانية، يكرس المغرب صورته كمنصة إفريقية واعدة وآمنة، ووجهة مفضلة للاستثمار في زمن الأزمات.
ولا يقل الداخل دينامية عن الخارج؛ فقد اختارت الدولة الاستثمار في الذكاء المؤسسي، كما يبرزه الاتفاق الموقع بين وزارة العدل والمندوبية السامية للتخطيط لتطوير منظومة الإحصائيات الجنائية، أو من خلال الانخراط في سياسات جنائية بديلة تنبني على بعد إصلاحي وإنساني يعزز العدالة وكرامة الطفل.
اقتصاديًا، يضع المغرب نصب عينيه رهان النمو النوعي وليس الكمي، عبر تحفيز المقاولات الصغرى والمتوسطة، وتهيئة الأرضية لفرص شغل مرتبطة بتنظيم كأس العالم 2030. وهي رؤية تجد سندًا قويًا في تقارير دولية معتبرة، من بينها بنك جي بي مورغان، الذي يرى في المغرب اقتصادًا صاعدًا في طريقه لنيل تصنيف الدرجة الاستثمارية.
التحول الرقمي لم يعد ترفًا بل صار مسارًا استراتيجيًا، تؤكده مبادرات مثل تجربة Barid Payment Mobile بمطار محمد الخامس، أو مشروع التعاون غير المسبوق بين بنك المغرب والبنك المركزي المصري في مجال الأداء الرقمي العابر للحدود، بتنسيق مع البنك الدولي. وهي إشارات واضحة على أن المملكة تتهيأ لتكون قوة تكنولوجية مالية إقليمية.
أما ثقافيًا، فيبدو أن المغرب بات أيضًا قوة ناعمة متقدمة؛ من تكريم مثقفيه من طرف مؤسسات مرموقة مثل مكتبة الإسكندرية، إلى تصنيفه في المرتبة 14 عالميًا في التأثير الثقافي والتراثي. وهذه ليست صدفة، بل انعكاس لهوية متجذرة ومتجددة في آن، تُجيد التفاعل مع العالم دون أن تفقد جذورها.
وفي خضم هذه المكاسب، لا يغيب الحضور المغربي الفاعل في قضايا الأمن المائي والسيادة الصناعية، ولا يخفى دوره في إرساء توازنات جيو-سياسية متزنة داخل إفريقيا ومنطقة المتوسط، كما يؤكد ذلك الحضور المتنامي في ملفات السلم، الطاقة، الربط اللوجستي، والدبلوماسية الثقافية.
إنها لحظة مغربية بامتياز، تختبر مناعة الخيارات الوطنية، وتترجمها إلى نتائج ملموسة على الأرض. والمغرب، كما يتضح اليوم، لا يكتفي بأن يكون داخل اللعبة، بل يصنع قواعدها. وهذا ما يستحق أن يُقرأ بعين بصيرة لا تُغفل التفاصيل، ولا تفقد الصورة الكبرى.



