المغرب بين إصلاحات اجتماعية عميقة وتحولات اقتصادية لافتة.. دينامية وطنية ترسم ملامح المرحلة

في مغرب يتغير إيقاعه بوتيرة متسارعة، تتقاطع الإصلاحات الاجتماعية مع التحولات الاقتصادية، وتتداخل رهانات التنمية مع التحديات البيئية والضريبية، لنجد أنفسنا أمام لوحة متكاملة من المبادرات والقرارات والسياسات التي تعكس دينامية وطنية متجددة، وتؤكد في الآن ذاته أن المملكة ماضية نحو ترسيخ نموذجها الخاص في مختلف المجالات.
ففي صميم هذه الدينامية، برزت التجربة المغربية في مراجعة مدونة الأسرة كنموذج إقليمي رائد، بعد أن حظيت بإشادة واسعة خلال اجتماع إقليمي انعقد ببيروت خُصص للتمكين الاقتصادي للنساء. وقد جرى تسليط الضوء على الخصوصية المغربية التي توازن بين المرجعيات الدستورية والثقافية والالتزامات الدولية، مع الاعتراف بأهمية العمل المنزلي غير المؤدى عنه باعتباره رافعة أساسية لتعزيز المساواة وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وتتجلى الأبعاد الاقتصادية لهذه التحولات في الأرقام الصادرة عن إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، التي كشفت في تقريرها السنوي لسنة 2024 عن انخفاض كبير في محجوزات الأكياس البلاستيكية بنسبة 76 في المائة مقارنة بسنة 2023، في خطوة تؤكد نجاعة السياسات البيئية. كما شهد قطاع السيارات انتعاشاً لافتاً، حيث تم طرح 151 ألفاً و755 سيارة سياحية للاستهلاك، مسجلاً نمواً بنسبة 6 في المائة، مدفوعاً بارتفاع مبيعات السيارات الجديدة بنسبة 5 في المائة والمستعملة بـ15 في المائة، لتبلغ مداخيل التعشير نحو 7,007 مليون درهم بزيادة قدرها 12 في المائة.
وتتواصل المؤشرات الإيجابية مع تجاوز عدد التصاريح الجمركية لأول مرة عتبة المليوني تصريح سنة 2024، بنمو بلغ 7,1 في المائة مقارنة بالسنة السابقة، حيث استحوذت المديرية الجهوية لطنجة-تطوان-الحسيمة على 51 في المائة من هذه التصاريح، تليها الدار البيضاء-سطات بنسبة 37 في المائة، ما يعكس دينامية اقتصادية متنامية في المراكز اللوجستية الكبرى.
وفي سياق ضبط الأسواق، أصدر مجلس المنافسة خلال سنة 2024 ما مجموعه 174 قراراً ورأياً شملت مختلف القطاعات الاقتصادية، لتتصدر المراقبة الاحترازية لعمليات التركيز الاقتصادي أكثر من 93 في المائة من حجم القرارات، في خطوة تعكس الحرص على حماية قواعد التنافسية وضمان توازن السوق.
لكن المشهد الاقتصادي لا يخلو من تحديات، إذ يشهد المواطن المغربي ضغوطاً متزايدة نتيجة الارتفاع الحاد في أسعار القهوة، حيث قفزت الأسعار بنحو 150 في المائة منذ بداية 2024 مقارنة بسنة 2023، في حين تراوحت الزيادات العالمية بين 10 و30 في المائة فقط، ما دفع المهنيين إلى المطالبة بإجراء تقييم شامل لتحديد أسباب هذه القفزة غير المسبوقة.
وفي إطار مواجهة التحديات البيئية، تواصل السلطات دراسة خيار تحويل ضريبة الاستهلاك غير المباشر إلى ضريبة الكربون، استناداً إلى مبدأ “الملوث يدفع”، في خطوة تهدف إلى تقليص الانبعاثات الملوثة وتشجيع استخدام الطاقات المتجددة، بالتوازي مع الجهود المستمرة لمحاربة الأكياس البلاستيكية والمواد الملوثة.
أما على مستوى محاربة التهريب، فقد سجلت الجمارك حصيلة غير مسبوقة سنة 2024، حيث بلغت قيمة العملات المحجوزة 167 مليون درهم بارتفاع قدره 59 في المائة مقارنة بالعام الماضي، إلى جانب تسجيل 15 ألفاً و572 تصريحاً بالعملة بقيمة فاقت 2,5 مليار درهم، مقابل 12 ألفاً و515 تصريحاً سنة 2023، إضافة إلى حجز بضائع مهربة بقيمة 284 مليون درهم، أي بزيادة بلغت 7,74 في المائة.
وفي الجانب التشريعي، يواصل حزب الاستقلال استعداداته المبكرة للانتخابات التشريعية لسنة 2026، حيث أكد أمينه العام نزار بركة، خلال لقاء دراسي بمجلس النواب، على ضرورة ضمان مشاركة واسعة وتعزيز حضور الشباب والنساء في العملية الانتخابية، مع الرهان على استثمار الانتصارات الدبلوماسية التي حققتها المملكة وتقوية موقعها على الساحة الدولية.
كما شهد قطاع التعليم حركية مهمة مع انعقاد اجتماع ترأسه وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة محمد سعد برادة مع جمعيات أمهات وآباء التلاميذ، لبحث التدابير الكفيلة بإنجاح الدخول المدرسي 2025/2026. وقد تركز النقاش على تجهيز المؤسسات التعليمية بالوسائل التكنولوجية الحديثة، وتوفير الكتب المدرسية، ومحاربة الهدر المدرسي، إلى جانب تعزيز الحياة المدرسية كمدخل أساسي لتحسين جودة التعليم.
وفي المجال الصحي، اتخذت الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية قراراً بسحب جميع دفعات دواء “لوديوميل” من الصيدليات المغربية بعد رصد شوائب من فئة “النيتروزامين” بمستويات تتجاوز الحدود المسموح بها، في إجراء احترازي ينسجم مع المعايير الأوروبية ويهدف إلى ضمان سلامة المرضى.
أما بيئياً، فقد أسفرت التساقطات المطرية الأخيرة عن ارتفاع ملموس في حقينة السدود، ما يعزز المخزون المائي الوطني ويساهم في دعم الفلاحة والأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالموارد المائية.
وفي السياحة، واصلت مدينة مراكش ترسيخ مكانتها كوجهة عالمية، بعدما استقبلت خلال النصف الأول من سنة 2025 ما يقارب 336 ألفاً و859 سائحاً فرنسياً، يليهم البريطانيون بـ197 ألفاً و880 زائراً، ثم الإسبان بـ80 ألفاً و407 سياح، ما يعكس تعافي القطاع واستعادة جاذبيته الدولية.
ونختم بمعطى اقتصادي بارز، إذ حققت صادرات المغرب من البصل رقماً قياسياً خلال الفترة ما بين يونيو 2024 وماي 2025، بلغت كمياتها 64,900 طن بقيمة 238 مليون دولار، أي بزيادة تعادل 4,8 مرات مقارنة بالموسم السابق، ما يؤكد قوة الفلاحة المغربية في تعزيز تنافسية المملكة داخل الأسواق العالمية.



