اقتربت ساعة الحسم: بناء الإنسان لبناء الوطن

بقلم الاستاذ: مولاي الحسن بنسيدي علي
حين تصبح كرامة المواطن حجر الأساس لدولة قوية وآمنة ومستقرة
في عالمٍ تتسارع فيه التحوّلات وتتداخل فيه الأزمات، لم يعد السؤال: أين نقف؟ بل: كيف ننهض؟ وكيف نبني وطنًا لا يتداعى أمام رياح الفساد والتهميش؟
لقد آن الأوان لحسم الخيارات الكبرى؛ أن ننتقل من الاكتفاء بالشعارات إلى فعل البناء الحقيقي، من رفع الرايات إلى صون كرامة المواطن. فالوطن القوي لا يقوم على الطين وحده، بل على إنسانٍ يجد منذ ولادته إلى وفاته ما يحفظ له حقوقه ويجعله شريكًا لا عبئًا.
اقتربت ساعة الحسم؛ ساعة مواجهة الذات قبل مواجهة العالم، ساعة نُعيد فيها النظر في قواعد البيت الكبير الذي اسمه الوطن. ليس الوطنُ حدودًا على خرائط ولا شعارات تُرفع في المناسبات، بل هو كرامةُ مواطنٍ منذ ولادته حتى وفاته، هو التعليمُ الذي يفتح له أبواب الأمل، هو العملُ الذي يحميه من ذل السؤال، هو الصحةُ التي تصون جسده، وهو الحريةُ التي تحفظ صوته وعقله.
لن يكون وطنٌ قويًّا وآمنًا ومستقرًّا ما لم ينطلق من القاعدة الصلبة: بناء المواطن الصالح. المواطن الذي يجد سبل العيش الكريم فيغنيه ذلك عن التسوّل والانحراف وركوب قوارب الموت أو الانجراف إلى التطرف والاتجار في الممنوعات والبشر.
وحين نضمن له التعليمَ الجيد والتكوين الراسخ والعلاج اللائق، ونصون حقَّه في الشغل، ونؤمّنه ضد البطالة والمرض، ونكرّمه في تقاعده ونعتني به، ونمنحه حرية التعبير وممارسة حقوقه السياسية بوعي، عندها فقط نبني الوطن حقيقةً لا شعارًا.
الانتماء الحقيقي ليس رايةً تُرفع ولا نشيدًا يُردَّد، بل موقفٌ أخلاقي وسلوكٌ عملي؛ أن يتعلّم المواطن منذ طفولته ألا يبيع صوته الانتخابي، وأن لا يكذب ويخون وألا يرضى بالتدليس، وأن يجهر بالحق في وجه الظلم والاستبداد. هذه هي الوطنية الفعلية، وهذه هي قاعدة الدولة القوية.
التربية حجر الزاوية في كل هذا. فالأسرة مدرسة، والمحيط مدرسة، والمجتمع كله ساحة للتنشئة. والطفل الذي يشبُّ على الاستقامة لا ينكسر مهما عصفت به الرياح. أما إذا أُهملت هذه الجذور، فلن يُصلح شيءٌ ما أفسده الإهمال.
وحين تُسند شؤون الناس إلى غير أهل الكفاءة، ويتقدّم المصلحون على الهامش ويعلو صوت المصلحة الخاصة فوق العامة، فلا تسأل عن الوطن حينها، ولا تلُم المواطن على فقدان الأمل؛ فغياب العدل يُسقط الثقة، وسقوط الثقة هو أول الطريق إلى الانهيار.
إنها ساعة حسمٍ لا ساعة خوف؛ ساعة وعي جماعي بأن بناء الوطن يبدأ من بناء الإنسان، وأن المواطن الصالح هو عماد الدولة العادلة، وأن الكرامة ليست منّة بل حق.
بقدر ما نُعطي الإنسان نُعطي الوطن، وبقدر ما نُعلي من قيمة التربية والحق والعدالة نصنع المستقبل.
فلنقف جميعًا أمام المرآة الوطنية، لا لنتباهى بالشعارات، بل لنرى وجوه أبنائنا وأحفادنا. أي وطن نريد أن نترك لهم؟ وطن الشعارات أم وطن الكرامة؟ ساعة الحسم هي الآن، وليست غدًا؛ فبناء الإنسان هو الطريق الوحيد لبناء وطنٍ يليق بنا ويصمد أمام التاريخ.



