Hot eventsأخبارعين العقل

جلابيب بيضاء… وقلوب حالكة

بقلم الاستاذ مولاي: الحسن بن سيدي علي

جلابيب ناصعة البياض، تبرق كأنها غُسلت بماء الثلج وملح الطهارة، ترفرف على أكتاف رجالٍ يخطون بثقة من اعتاد المنابر لا المحاسبة. سلاهيم من حرير خالص، تتدلى على الصدور كأوشحة المجد، وكأنها خيطت بخيوط من الدمستق والاستبرق في مصانع الجنة لا من خيوط الأسواق الصينية!
طرابيش حمراء، تحكي مجد الفقهاء الأولين، وجلال الجهابذة الذين أسسوا الحضارة بحبر الاجتهاد لا بالمداد الممزوج بالرشوة. ملامحهم توحي بالوقار، وخطواتهم تُسمع لها رنّة “الرزانة”، غير أن الروائح المنبعثة من خلف هذا البياض، ليست سوى بخور مخلط بفسادٍ عتيق ودهاءٍ موروث.
على هذه الأجساد “العفيفة” – زعموا – تستريح خطايا كثيرة: ظلمٌ هنا، اختلاسٌ هناك، تجارةٌ في الممنوعات، تهرّبٌ من الضرائب، تزويرٌ في الانتخابات، واحتقارٌ للشعب حدَّ الدعس على لقمته، كأنها ذبابة سقطت في مائدتهم العامرة بالولائم الرسمية.
من هؤلاء من لا يفقه في القراءة إلا ما يسطره البنك في دفتر الحساب، ولا يعرف من الكتاب إلا رقم الصفحة التي يُوقّع فيها على راتبه الشهري. أحد الصحفيين – مسكيناً – تجرأ وسأله:
“ما رأيكم فيما يقع في البلاد؟”
فرفع حاجباً، وابتلع بقية تمرٍ يابس، وردّ ببلادةٍ مقدّسة:
“وماذا يقع؟”
ثم مضى نحو سيارةٍ فاخرة، سوداء كالظلمة، مرقمة تحت أ/1، وألقى بسلهامه داخلها كما يلقي أحدهم خطاياه في بئرٍ لا قرار لها.
ومنهم فئةٌ أخرى، لا تقلُّ براعة في التمثيل، أجساد تتمايل في رشاقةٍ تلفت الأنظار كعرائس الزينة في أعراس التلفزيون الرسمي. شعورهم منسدلة على الأكتاف، تتطاير مع صرخات نساءٍ مسحوقات في الأزقة وهنّ يهتفن:
“ارحلوا جميعاً… لا مكان لكم بيننا!”
لكنهم لا يسمعون، أو لعلهم يسمعون ولا يعنيهم الأمر؛ فالأوطان عندهم مشاريع مؤقتة، والمناصب غنائم حرب، والشعب مجرد قائمة انتخابية تخرج من الصندوق يوم الحاجة، وتُعاد إلى الظل بعد الفرز.
هم أولياء “الابتسامة البروتوكولية”، وعبّاد “الكاميرا الرسمية”، وسدنة “التصريحات المنمقة” التي تبدأ بـ”نحن في خدمة المواطن” وتنتهي بـ”لكن الميزانية لا تسمح”.
وما زالت الجلابيب ناصعة، وما زال الحرير يلمع، لكن الرائحة… الرائحة لم تعد تخفى على أحد.
لقد صار الفسادُ يتعطر، والخداعُ يتأبط ملفاً قانونياً، والرياءُ يرتدي برنوساً من هيبةٍ زائفة.
ومع ذلك، ما زال بعض البسطاء يرفعون رؤوسهم إعجاباً بتلك الجلابيب البيضاء، غير دارين أن تحتها قلوباً حالكة السواد، لو عصرناها لنزل منها حبر الفساد نفسه الذي كُتبت به قوانينهم وبياناتهم ووعودهم التي لا تُحصى.
غير ٱبهين بعواقب الزمن،
ولا بما ذكرهم به أمير المؤمنين حفظ الله من قوله تعالى
فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button