
اضحى التقادم الضريبي من القضايا المهمة التي تمس حياة المواطنين والمهنيين على حد سواء، لأنه يحدد المدة الزمنية التي يمكن فيها للدولة مراقبة الضرائب أو استخلاصها. وبكل بساطة، فالتقادم يعني أن للإدارة الجبائية وقتاً محدداً فقط للرجوع إلى المواطن أو الشركة من أجل مراجعة الضرائب أو تحصيلها، وبعد مرور ذلك الوقت يسقط حق الإدارة نهائياً. هذا الأمر يمنح المواطنين نوعاً من الاطمئنان ويجنبهم بقاء ملفاتهم مفتوحة دون نهاية.
حاول المشرع المغربي، من خلال القوانين المنظمة للضرائب، إيجاد توازن بين أمرين مهمين: الأول هو حماية المواطن من طول الإجراءات وعدم تركه تحت ضغط المراقبة الدائمة، والثاني هو تمكين الإدارة من الوقت الكافي للتأكد من صحة التصريحات ومحاربة الغش الضريبي. لذلك اعتمدت المدونة العامة للضرائب مدة أربع سنوات كأجل للتقادم، وهي المدة التي تستطيع الإدارة خلالها فحص التصريحات التي يقدمها الملزم. وبعد مرور هذه السنوات الأربع، لا يحق للإدارة الرجوع إلى تلك الفترة أو إعادة فحصها، وهو ما يوفر للمواطن الاستقرار والطمأنينة.
لكن في بعض الحالات الاستثنائية، عندما يتعلق الأمر بتزوير الحسابات أو إخفاء الأرقام أو الغش الواضح، يسمح القانون للإدارة بتمديد مدة المراقبة إلى عشر سنوات. ويأتي هذا الاستثناء لحماية المال العام وضمان العدالة بين المواطنين، لأن المتهربين يضرون بالدولة وبمن يلتزمون بأداء واجباتهم. ومع ذلك يبقى هذا التمديد محدوداً ومؤطراً بشروط دقيقة حتى لا يُستعمل بطريقة تعسفية.
ولا يقف موضوع التقادم عند حدود مراقبة التصريحات فقط، بل يشمل أيضاً عملية التحصيل، أي جمع الضرائب بعد تحديدها. فمدونة تحصيل الديون العمومية توضح أن للدولة مدة أربع سنوات لتحصيل ما على المواطن من ضرائب، تبدأ من اليوم الذي تبدأ فيه عملية التحصيل. ويهدف هذا الأجل أيضاً إلى عدم ترك المواطن يعيش لسنوات طويلة تحت تهديد مطالبات قديمة، وإلزام الإدارة بالتحرك في الوقت المناسب وبطريقة واضحة.
وهكذا يظهر أن التقادم ليس مجرد أجل زمني، بل هو ضمانة قانونية تعزز الثقة بين المواطن والإدارة، وتساعد على خلق نظام جبائي واضح ومستقر. فحين يعرف المواطن أن التزاماته ليست مفتوحة بلا نهاية، يصبح أكثر استعداداً لأداء واجباته واحترام القانون. ومن جهة أخرى، يساعد هذا النظام على تحسين مناخ الاستثمار ويقوي شعور العدالة بين مختلف الملزمين، لأن الجميع يخضع لنفس القواعد ونفس الآجال.
إن تنظيم العلاقة بين الإدارة الجبائية والمواطن يظل خطوة أساسية في تعزيز الشفافية وتشجيع الامتثال الطوعي للضرائب، خصوصاً في سياق الجهود المبذولة لتطوير الحكامة المالية. ولذلك فإن فهم نظام التقادم يُعد أمراً ضرورياً، لأنه يمس مباشرة الحقوق والالتزامات، ويهدف قبل كل شيء إلى حماية المواطنين من جهة وضمان فعالية الإدارة من جهة أخرى، في إطار قانوني واضح ومتوازن يخدم المصلحة العامة.



