فاس التي تنزف.. من “البوصيري إلى أولاد الطيب” متى تستفيق النخب السياسية من سباتها الفاسد؟

لم تمضِ سوى أشهر قليلة على سقوط “البوصيري” وعصابته في قبضة العدالة، بعدما انكشف المستور داخل أروقة جماعة فاس: فساد، رشوة، تلاعب في العقار، وتفويتات مشبوهة أنهكت المدينة وسكانها… حتى جاء الدور اليوم على جماعة أولاد الطيب، التي لا تبعد سوى بضع دقائق عن قلب فاس، لتنكشف على وقع فضيحة أخرى لا تقل صدمة ومرارة.
مستشار جماعي يخرج للعلن ليصرّح، بملء صوته وأمام عدسات الكاميرا داخل دورة ماي، بأنه تلقى 4 ملايين سنتيم رشوة من رئيس الجماعة… فقط ليصوّت له. لا حياء، لا خوف، لا محاسبة. فقط وجهٌ سميك وواقعٌ مُرّ يعكس انحدار العمل السياسي إلى الحضيض.
فاس، المدينة العلمية، الحضارية، التي كانت منارة للعلم والروح، أصبحت اليوم عنوانًا للتسيب السياسي، والنهب المقنن، والانتهازية المغلّفة بشرعية انتخابية. من جماعة فاس إلى ضواحيها، لا صوت يعلو فوق صوت الفضائح، ولا أحد يسأل عن المواطن، عن التنمية، عن التعليم، عن الصحة، عن البنية التحتية التي تنهار في صمت.
والأدهى من ذلك، أن هذه الوقائع تتكرّر وتُعاد بنفس السيناريو، دون أن يتغيّر شيء. النخب السياسية تواصل الفساد، والمحاسبة تأتي متأخرة – إن أتت أصلاً – وغالبًا ما تُنسى الملفات كما تُنسى الوعود.
هل كتب على فاس أن تعيش بين مطرقة الطمع وسندان الصمت؟ هل قدر هذه المدينة أن تُحكم من طرف نخب لا ترى في المنصب سوى طريقًا للثروة والنفوذ؟
اليوم، لم يعد الحديث عن “حالات معزولة”، بل عن منظومة سياسية محلية فاسدة تنهش جسد الديمقراطية من الداخل، تُقايض مصالح الساكنة بمبالغ مالية، وتحوّل المؤسسات المنتخبة إلى مزادات يومية تُباع فيها القرارات لمن يدفع أكثر.
الساكنة في فاس لم تعد تنتظر وجوهاً جديدة فقط، بل تنتظر ضميرًا حيًا، ومحاسبة حقيقية، ورجالاً ونساءً يضعون مصلحة المدينة فوق كل اعتبار.
فاس تستغيث، وليس من يجيب.