
تعتبر جهة الشرق بموقعها الجغرافي الاستراتيجي ومؤهلاتها ومواردها الطبيعية ورأسمالها البشري قطبا اقتصاديا متميزا يجعل منها وجهة استثمارية صاعدة على غرار باقي الجهات الأخرى، خصوصا جهة طنجة وجهة الرباط والدار البيضاء.
ويبقى التحول الذي عرفته جهة الشرق في ظل المبادرة الملكية، التي أطلقها الملك محمد السادس في خطابه التاريخي بمدينة وجدة الألفية بتاريخ 18 مارس 2003 والتي حملت مجموعة من المشاريع التنموية الكبرى على مختلف المستويات، سببا كافيا للنهوض بهذه الجهة التي ظلت لسنوات تنعت وتوصف “بالمغرب غير النافع”.

خطاب الملك محمد السادس، الذي جاء بمشاريع مهمة تهم القطاعات الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، (الطريق السيار، المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس، كلية الطب والصيدلة، المنطقة الصناعية بوجدة، بناء مطار جديد وجدة/ أنجاد، المنطقة الفلاحية ببركان، مارتشيكا، ميناء الناظور الكبير، المحطة السياحية السعيدية، المنطقة الحرارية جرادة.. وغيرها من المشاريع)، كان نقطة تحول جذري عرفته جهة الشرق جعلها قبلة اقتصادية ووجهة استثمارية للعديد من المستثمرين الذين فضلوا توطين مشاريع اقتصادية بوجدة وباقي أقاليم الجهة.
لكن، وللأسف وبالرغم من كل هذه التحولات وهذه المشاريع الضخمة التي عرفتها جهة الشرق، بقيت الجهة تعاني من مشاكل بنيوية جعلت منها جهة تتذيل مؤخرة الترتيب على مستوى العديد من المؤشرات خصوصا المرتبطة بقطاع التشغيل، ونسبة البطالة التي باتت الشبح المخيف.
وهو الأمر الذي أعلنت عنه المندوبية السامية للتخطيط في مذكرتها الإخبارية حول سوق الشغل خلال الفصل الثاني من سنة 2025. ففي الوقت الذي سجلت فيه 4 جهات معدلات نشاط تفوق المعدل الوطني بنسبة 34,4%، ويتعلق الامر بجهة طنجة/تطوان/ الحسيمة، جهات الجنوب، جهة الدار البيضاء/ سطات، وجهة مراكش/آسفي، سجلت جهة الشرق أدنى المعدلات بنسبة 40,4% مع جهة بني ملال/خنيفرة، جهة درعة/ تافيلالت وجهة سوس/ ماسة.
وفيما يتعلق بالبطالة، وحسب إحصائيات ومؤشرات المندوبية السامية للتخطيط، فقد تم تسجيل أعلى مستويات البطالة بجهة الشرق بنسبة 21,1%، في حين أن معدل البطالة وطنيا بلغ 12,8% خلال الفصل الثاني من سنة 2025، حيث عرف انخفاضا ب 0,3 نقطة، ما بين الفصل الثاني من سنة 2024 ونفس الفصل من سنة 2025.
مؤشرات المندوبية السامية للتخطيط تؤكد على أن حجم الاستثمارات التي ضخت بجهة الشرق، والمشاريع الاقتصادية التي عرفتها، لم ينعكس إيجابا على الوضعية الإجتماعية لساكنة جهة الشرق التي عرف معدلها انخفاضا مهولا بسبب الهجرة الى الخارج، بسبب الوضعية والرغبة في تحسين مستوى العيش..
وتبقى الاسباب الحقيقية التي أدت الى تفاقم هذه الأزمة وارتفاع نسبة البطالة وتدني الحالة الاجتماعية، السياسات المتعاقبة على تدبير الشأن العام. بحيث أن الحكومات السابقة، حكومة 2011/2016، برئاسة عبد الإله بنكيران، وحكومة 2016/ 2021 برئاسة سعد الدين العثماني، والحكومة الحالية التي يرأسها عزيز أخنوش لم تعمل على جلب استثمارات كبرى للجهة، ومواكبة وتتبع النهضة الإقتصادية التي عرفتها الجهة مع خطاب 18 مارس 2003، بل أصبحت وفي كل محطة تردد هي نفسها، أي الحكومات، ما تم إنجازه من مشاريع وكأنها هي من أطلقت ذلك، كيف لا، كما قالت إحدى البرلمانيات، وهي حكومات تحاول دائما الركوب على الأحداث.
جهة الشرق التي عرفت إقبالا لشركات أجنبية مستثمرة، لازالت تعرف ركودا تجاريا، وأزمة اقتصادية، وهو الأمر الذي لم تستطع الحكومة السابقة إيجاد حلول لهذه الأزمة، خصوصا وأنها قامت بزيارة للجهة وأنصتت للمتدخلين والفاعلين، لكن للأسف ظلت دار لقمان على حالها، بل ازداد سوءا مع صعود هذه الحكومة، التي سمت نفسها بحكومة الإنجازات والكفاءات، فعن أي إنجاز تتحدث عنه، هل يتعلق الأمر بإنجاز ارتفاع الأسعار؟، فعلا الحكومة الحالية حطمت الرقم القياسي في ذلك، أسعار المحروقات، المواد الاستهلاكية…أم تتحدث عن إنجاز القفطان والزليج كما قال كاتب الدولة المكلف بالصناعة التقليدية. أم إنجاز الصحة التي باتت تعاني هي الأخرى من مشاكل بنوية كانت محط انتقادات لاذعة من طرف نواب برلمانيين من الأغلبية، أم إنجازات الفراقشية (الأغنام والأبقار)، أم ماذا يا ترى..؟