أخبارالرئيسيةفي الصميم

زلة قلم: أنا وحدي نضوّي البلاد

في إطلالة تلفزيونية غير منتظرة، ظهر رئيس الحكومة متبخترًا كمن خرج لتوّه من ملحمة بطولية، يلوّح بيديه ويقذف بالكلمات كما لو كان “منقذ الأمة” الوحيد. كان من المفترض أن يكون اللقاء فرصةً لطمأنة الناس، لعرض الحقائق، أو حتى لمصارحة الرأي العام بحقيقة الأوضاع، لكنه اختار أن يحوّل الشاشة إلى مرآة نرجسية تعكس صورته المتضخّمة فقط، دون أن تلتقط مشهدًا واحدًا من وجع المواطنين أو أنين البلاد.

 بقلم/ عبدالهادي بريويك

لم يكتفِ بتضخيم منجزات حكومته الهشة، بل تجاوز حدود المعقول حين تحدث عن “نهضة شاملة” و”تحولات تاريخية”، وارتقاء بساكنة المناطق المنكوبة بالحوز، وكيفية استفادته من المشروع الضخم لتحلية مياه البحر بالدار البيضاء، ووو…وكأننا نعيش في بلد آخر، غير ذلك الذي ترزح أحياؤه تحت العتمة، وتئنّ مستشفياته من شُحّ الدواء، وتعاني شوارعه من الفوضى والتهميش. بدا الرئيس وكأنه في استعراض مسرحي لا علاقة له بالحقيقة، يوزع الوعود كما توزّع الهدايا في الأعياد، دون خجل من الواقع أو احترام لذكاء الناس.

 منطق الاستعلاء والإنكار

كثيرة هي اللحظات التي استُعمل فيها “أنا” بشكل مثير للغثيان، وكأن البلاد وُجدت بفضله، والنجاحات – إن وجدت – لا تُنسب إلا لحنكته وجرأته الاستثنائية. تكلّم عن الكهرباء، وكأن أسلاكها لا تحترق يوميًا في القرى والأحياء؛ تحدّث عن محاربة الفساد، وكأن حكومته خالية من المحاباة والصفقات المشبوهة؛ ثم لم ينسَ أن يرمي التهم يمنة ويسرة، على خصومه، وعلى الشعب، وعلى “من يعرقل”، ليتبرّأ من أي فشل وكأن يديه طاهرتان لا تلمسان الواقع.

هذا الاستعلاء ليس جديدًا، بل هو جزء من خطاب سياسي تعوّد أن يُخفي عجزه خلف لغة خشبية، وأن يخلق بطولات وهمية في زمن الانهيار. لكن أن يتجرّأ على الكاميرا ليبثّ كل هذا الإنكار، ويطالب الناس بمزيد من الصبر، بينما هم في قاع القهر… فذاك ما لا يُغتفر.

 الشاشة لا تُضيء الحقائق

المفارقة الكبرى أن هذا اللقاء كان يفترض أن يكون مصباحًا يُضيء الطريق، فإذا به يُطفئ آخر ما تبقّى من أمل. فمن يسمع كلمات رئيس الحكومة، يظن أن البلاد على أبواب رخاء، بينما في الواقع، البطالة تنهش الشباب، والأسعار تلتهم الأجور، والثقة في المؤسسات تسقط كأوراق الخريف.

الشاشة التي حاول أن يُضيء بها صورته، لم تكن كافية لحجب الظلمة التي تعيشها البلاد. فالناس لم يعودوا بحاجة إلى الخطابات، بل إلى فعل حقيقي، إلى صدق شجاع، إلى من يُشاركهم الألم بدلًا من أن يُلقي عليهم دروسًا في الصبر والولاء.

 البلاد لا تُضوّى بالكلام

“أنا وحدي نُضوّي البلاد”… جملة قد تصلح شعارًا لمرحلة تتقن الكذب وتكره المحاسبة. لكن البلاد لا تُضوّى بالكلمات، ولا تُبنى بالتضليل، ولا تُدار بالغرور. البلاد تحتاج إلى من يراها كما هي، لا كما يتخيلها من برجه العاجي.

وفي النهاية، الشعب الذي أطفأوا أنواره لن ينسى من تعمّد أن يُضيء نفسه على حساب معاناته

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button