الجمهور المغربي ليس قطيعاً… ولا يُقايَض بالذلّ مقابل “شهرةٍ باهتة”

زهير أصدور
ما جرى في حفل الفنانة المصرية شيرين عبد الوهاب بمهرجان “موازين” 2025، لم يكن حادثًا معزولًا، بل يتجاوز في حقيقته مجرد نقاش فني حول “البلاي باك” من عدمه، ليتحوّل إلى فضيحة ثقافية وأخلاقية تُسائل بنية التنظيم، ومعايير الاستضافة، والأخطر من ذلك: احترام كرامة الشعب المغربي، الذي جُعل في مرمى التجاهل والتجريح.
هل يعقل أن تُصرف مائة مليون سنتيم من أموال دافعي الضرائب – بشكل مباشر أو غير مباشر – مقابل عرض “بلاي باك” بلا روح، بلا إبداع، بلا احترام؟ ثم يُراد من الجمهور المغربي أن يصفّق ويتغاضى، فقط لأن الفنانة تحمل اسمًا مشهورًا في أرشيف الأغنية العربية؟
ثم، بأي منطق تُمنَح فنانة أجنبية كل امتيازات السفر بطائرة خاصة، وفندق خمس نجوم، ومرافق طبي، بل وتُحصّن تعاقديًا ضد المساءلة، بينما يُطلب من الجمهور المغربي أن يبتلع خيبته في صمت، وكأن الكرامة الفنية والوطنية ليست من حقه؟
الخطير ليس فقط أداء “البلاي باك” الباهت، بل التمادي في الاستخفاف بالجمهور، حين سارع بعض الفنانين المصريين، ممن لا علاقة لهم لا بالفن ولا بالأدب، إلى الدفاع الأعمى عن زميلتهم، لا بل وتوجيه عبارات مُهينة وصادمة، كما فعلت الممثلة غادة عبد الرازق عندما كتبت “القافلة تسير…”، في إيحاء فجّ يربط بين انتقادات الجمهور المغربي و”النباح”.
هذا ليس تضامنًا، بل وقاحة نخبوية تنظر إلى المغاربة باعتبارهم “رعاعًا” لا يحق لهم النقد. وكأن جمهور المغرب – الذي صفق لأم كلثوم، وعبد الوهاب، وصباح فخري، ومارسيل خليفة، وفيروز – أصبح فجأة مجرد جمهور “مزعج” يجب تكميمه.
إن تهديدات محامي شيرين بمقاضاة المنتقدين المغاربة، تُشكّل تجاوزًا خطيرًا لمبدأ حرية التعبير، وتكشف عقلية متعالية تتعامل مع الشعب المغربي كمتهم وجب تكميمه، لا كصاحب ذوق وصاحب حق.
وهو ما نرفضه جملة وتفصيلًا، من باب كرامتنا أولًا، ومن باب الحق المشروع في التعبير عن الرفض، ثانيًا.
تتحمّل جمعية مغرب الثقافات مسؤولية أخلاقية ومؤسساتية جسيمة في هذا العبث. فقد تحوّل مهرجان “موازين” – رغم ما يدّعيه من “دبلوماسية ثقافية” – إلى بوابة مفتوحة للزبونية الفنية، واستغلال موارد البلاد دون ضوابط واضحة للمحاسبة والنجاعة.
من يحاسب الجمعية عن معايير اختيار الفنانين؟ عن فوارق الأجور؟ عن الشروط “الملكية” التي تُفرض من بعض الضيوف؟ عن رداءة بعض العروض التي تُمرّر باسم “الانفتاح”؟ ومن يحمي الجمهور من الاستهانة المتكررة به؟
المغاربة ليسوا “مستهلكين عابرين” للفن، بل جمهور ذواق، حرّ، يُقدّر الإبداع، لكنه لا يساوم على الكرامة. وهم ليسوا مطالبين بأن “يتفهموا” وضع فنانة لم تغنِّ ولا احترمت المسرح، فقط لأن وراءها شهرة تلفزيونية، أو ماضيًا دراميًا يُستثمر في الترويج.
الشعب المغربي ليس مطلوبًا منه أن يكون رحيمًا أكثر من اللازم، ولا أن يُفرط في صبره بدعوى المجاملة. الاحترام لا يُطلب من الجمهور، بل يُقدّم له. ومن لا يُحسن الغناء حيًّا، ولا يُجيد احترام من يستقبله، فمكانه ليس مسارحنا.
هذا الذي حدث لا يُعالج برد عاطفي ولا بتبرير تقني. بل بمراجعة شجاعة تضع الفنان أمام مسؤوليته، والمُنظِّم أمام محاسبته، والجمهور في مكانته: شريك في الثقافة، لا “زبونًا ساكتًا”.
من أراد أن يغنّي في المغرب، فليأتِ فنانًا لا مؤدّي “بلاي باك”. ومن أراد الاحترام، فليبدأ باحترام المغاربة.



