
يقول المثل العربي “صمت ألفا ونطق خلفا”، هذا حال وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة محمد سعد برادة الذي سكت منذ خروج “جيل Z”، للاحتجاج والمطالبة بالصحة والتعليم، وعندما خرج ونطق قال في لقاء خاص مع إحدى الجرائد الالكترونية: “إن التعليم بخير وعلى مايرام، وقد عرف القطاع مجموعة من الإصلاحات أهمها مشروع “مدرسة الريادة”. والأكثر من ذلك، قال: “إن فرنسا وبريطانيا تراقبان عن كثب تجربة “مدارس الريادة المغربية” وتفكران في استنساخها”.
كلام الوزير بقدر ما أثلج قلب من اقترحوه لهذا المنصب، والحاشية التي بمحيطه، بقدر ما أغضب العديد من المتابعين والمهتمين والفاعلين في مجال التربية والتعليم، حيث أجمعوا على قول واحد مفاده، “لا غرابة في تصريح الوزير عن جودة قطاع التربية والتعليم، وعن مشروع مدرسة الريادة”، لأنه وببساطة بعيد كل البعد عن هذا القطاع ولا علاقة به لا من قريب ولا من بعيد، فحتى على مستوى “المصاصة” فلا يسمح بتناولها في الاستراحة لفائدة التعليم الأولي لأنها مضرة بصحتهم..”
لم تمر 24 ساعة عن تصريح الوزير، حتى خرج نواب الأمة أمس الاثنين في جلسة الأجوبة عن الأسئلة الكتابية الموجهة إلى الوزراء، من بينهم وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، غاضبون يعبرون عن استنكارهم لما عرفه الدخول المدرسي من تعثر، وما يعرفه مشروع “مدرسة الريادة” من مشاكل كثيرة..
محاصرة النواب البرلمانيين للوزير الذي عجز أن يجيب عن سؤال إحدى النائبات، يؤكد بالملموس أن ما يروج له الوزير من معطيات ومعلومات وإصلاحات، يعرفها القطاع، لا وجود لها إلا في مخيلته وعند محيطه الذي يريد أن يسوق أن الوزير الذي ينتمي لحكومة “الكفاءات” قام بمجموعة من الإصلاحات الجذرية عكس الوزراء السابقين الذين كانوا ينتمون للحكومات السابقة، لأن الحزب المسير للحكومة دائما يريد تعليق فشله على الحكومات السابقة، علما أنه كان من أحد مكوناتها ويدبر وزارات مهمة..
يبدو أن الوزير الوصي عن قطاع التربية والتعليم، لا يبالي بالمؤسسات الدستورية، وفي المقدمة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، والذي رصد في تقرير له اختلالات مشروع “مدارس الريادة” الذي اعتمدته وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، لإصلاح التعليم العمومي، حيث أكد المجلس في تقريره، إن مشروع “مدارس الريادة”، لم يحقق استفادة شاملة لجميع التلاميذ، الامر الذي قد يؤدي إلى تفاقم الفوارق بين المؤسسات المستفيدة وتلك غير المشمولة بالمشروع، خصوصا بالنسبة للتلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة الذين لا يحظون بالرعاية الكافية.
وجاء هذا في التقرير التقييمي الذي أعدته الهيئة الوطنية للتقييم بالمجلس، والذي شمل 626 مؤسسة تعليمية، مستندا، أي التقرير، إلى ثلاثة محاور رئيسية: المؤسسة، والأستاذ، والتلميذ، وذلك وفقا لخارطة الطريق 2022-2026، ويهدف التقييم الخارجي للمشروع إلى قياس مدى توافق أداء المؤسسات المستفيدة مع المعايير التي وضعتها الوزارة، إضافة إلى رصد إنجازات المشروع والتحديات التي تواجهه.
واعتبر المجلس في تقريره، أنه رغم تحقيق إنجازات مشجعة، إلا أنها تجربة قد تؤدي إلى تكريس الفوارق بين المؤسسات التعليمية بدلًا من تقليصها، مما يستدعي إعادة النظر في آليات تنفيذ المشروع لضمان تكافؤ الفرص بين جميع التلاميذ، مسجلا أن تنفيذ المشروع في عدد محدود من المدارس حرم العديد من التلاميذ من الاستفادة منه، مما قد يزيد من التفاوتات بين المؤسسات التي تم إدراجها في البرنامج وتلك التي بقيت خارجه، كما سجل تقرير المجلس، أن المؤسسات التعليمية في المناطق النائية تعاني من نقص في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والإنترنت والفضاءات التعليمية الملائمة، مما يحدّ من قدرتها على الاستفادة من الفرص التي يوفرها المشروع، ويعمّق الفوارق في الأداء بين التلاميذ، ورغم أن الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 والقانون الإطار 51-17 يشددان على ضرورة اعتماد “حكامة تربوية أكثر لامركزية”، إلا أن المشروع لا يزال يخضع لإشراف مركزي صارم، حيث يتم التحكم في التوجهات التربوية وآليات التقييم من قبل الوزارة، مما يقوّض فرص التكيف مع خصوصيات كل منطقة.
أمام كل هذه الملاحظات التي أشار إليها تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، لازال الوزير يدافع عن حصيلة أقل ما يقال عنها غير مشرفة، لأنه لو كان التعليم فعلا كما يقول الوزير والحكومة على ما يرام وفي صحة جيدة، ما كنا نصنف في آخر الترتيب على مستوى مؤشر التعليم، وهنا نعود لكلام الوزير، كيف لفرنسا وبريطانيا اللتان يتبوآن مراتب متقدمة في التعليم، أن يستنسخا تجربة فاشلة اسمها “مدارس الريادة”؟



