حين تغيب الدبلوماسية الإعلامية: قراءة في صمت الصحافة المغربية خلال ندوة وزير الخارجية الروسي

أعاد غياب الإعلام المغربي عن ندوة وزير الخارجية الروسي طرح سؤال جوهري حول دور الصحافة الوطنية في الدفاع عن القضايا الاستراتيجية للمملكة وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية. فبينما تحضر الآلة الإعلامية الجزائرية بقوة في كل المحافل الدولية،ما يزال الحضور المغربي متواضعا في وقت باتت فيه المعركة الإعلامية جزءا لا يتجزأ من معركة الدبلوماسية والسيادة.
أثار غياب الإعلام المغربي عن الندوة الصحفية الأخيرة لوزير الخارجية الروسي،سيرغي لافروف تساؤلات عديدة حول موقع الإعلام الوطني في الدفاع عن القضايا الاستراتيجية للمملكة وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية التي تشكل محورا رئيسيا في السياسة الخارجية المغربية.
ففي الوقت الذي حضرت فيه وسائل إعلام جزائرية بكثافة واستثمرت اللقاء لترويج مواقفها المعادية للوحدة الترابية،بدا الغياب المغربي لافتا سواء على مستوى التغطية الصحفية أو التحليل أو حتى الحضور الميداني وهو مشهد يتكرر في مناسبات دولية أخرى رغم حساسية المرحلة التي تمر منها القضية الوطنية،خصوصا في ظل تصاعد التنافس الدبلوماسي والإعلامي بين الرباط والجزائر على الساحة الإفريقية والدولية.
هذا الغياب لا يمكن فصله عن ضعف التنسيق المؤسسي بين الجهاز الدبلوماسي ووسائل الإعلام الوطنية وغياب رؤية استراتيجية لما يمكن تسميته بـ”الدبلوماسية الإعلامية”،أي توظيف الإعلام كأداة موازية للسياسة الخارجية في التأثير وصناعة المواقف. فالمغرب الذي راكم نجاحات مهمة في الدبلوماسية الأمنية والرياضية،ما زال بحاجة إلى بناء جبهة إعلامية قادرة على تأطير النقاش الدولي وتفنيد الادعاءات الموجهة ضد مصالحه العليا.
كما أن تطوير الإعلام المحلي في الأقاليم الجنوبية يشكل ركيزة أساسية في هذا المسار،إذ لا يمكن الحديث عن حضور وطني فاعل دون تمكين الجرائد والمنصات الصحراوية من الموارد البشرية والمالية الكافية لتكون صوتا وطنيا مؤثرا في النقاش الإقليمي والدولي،بدل ترك الساحة لآلة الدعاية الجزائرية التي لا تتوقف عن إنتاج الخطاب المعادي للوحدة الترابية.
ويؤكد خبراء في الاتصال السياسي أن إعادة النظر في مقاربة التواصل الرسمي باتت ضرورة من خلال إشراك الصحافيين المغاربة في المؤتمرات والمحافل الدولية الكبرى،خصوصا تلك المرتبطة بقضية الصحراء وتوفير تكوينات دبلوماسية متخصصة للصحافيين في تحليل الخطاب الجيوسياسي والتعامل مع الرأي العام الدولي.
إن الإعلام لم يعد مجرد ناقل للخبر، بل أصبح سلاحا ناعما في المعارك الدبلوماسية وأداة فعالة في تشكيل المواقف الخارجية وصياغة الصورة الذهنية للدول.ولذلك فإن غياب الصوت المغربي في اللحظات الحاسمة لا يعد فقط ضعفا إعلاميا بل فراغا استراتيجيا يجب تداركه بسرعة.
فالقضية الوطنية دخلت اليوم مرحلة دقيقة تتقاطع فيها الاعتبارات السياسية -الاقتصادية -الأمنية-الإعلامية، ومعركة الرأي العام الدولي أصبحت لا تقل أهمية عن معارك الدبلوماسية الرسمية.فالمغرب الذي يمتلك رصيدا كبيرا من المصداقية على المستوى الدولي،مدعو اليوم إلى الاستثمار في جبهة إعلامية وطنية قوية تتحدث بلغة العالم وتدافع بذكاء ومهنية عن مصالح الوطن.
تنسجم هذه الدعوة مع الرؤية الملكية المتبصرة التي أكدها جلالة الملك في أكثر من مناسبة،حين شدد على أن الدفاع عن القضية الوطنية مسؤولية جماعية تتجاوز حدود المؤسسات الرسمية لتشمل المثقفين والإعلاميين والمجتمع المدني. فالدبلوماسية المغربية في فلسفتها الملكية،تقوم على التكامل بين الفعل السياسي والإشعاع الإعلامي والثقافي ما يجعل الحاجة اليوم ملحة لبناء منظومة تواصل وطني حديثة،تستثمر القوة الناعمة للإعلام المغربي في ترسيخ صورة المملكة كدولة مؤثرة-منفتحة وواثقة في شرعية قضاياها وعدالة مواقفها.



