Hot eventsأخبارأخبار سريعةالعالم

الامتناع المغربي في تصويت الأمم المتحدة حول كوبا… دبلوماسية التوازن بين المبدأ والمصلحة




في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة يوم 29 أكتوبر الجاري،تمت المصادقة بأغلبية ساحقة على قرار جديد يدعو إلى رفع الحصار الأمريكي المفروض على كوبا منذ عام 1962.
وقد حظي القرار بتأييد 165 دولة مقابل 7 دول معارضة من بينها الولايات المتحدة وإسرائيل فيما امتنعت 12 دولة عن التصويت،من ضمنها المغرب الذي غير موقفه المعتاد هذه السنة.


يعد هذا الامتناع المغربي عن التصويت تحولا لافتا في السياسة الخارجية للمملكة التي دأبت خلال السنوات السابقة (2022 و2023 و2024) على دعم القرارات الأممية المناهضة للحصار الأمريكي المفروض على هافانا.لكن هذا التغيير لا يمكن قراءته بمعزل عن الظرف السياسي والدبلوماسي الدقيق الذي يمر منه المغرب وخاصة في سياق التحركات داخل مجلس الأمن حول قضية الصحراء المغربية.

سياق القرار بين براغماتية الدبلوماسية وتوازن العلاقات


يرى عدد من المراقبين أن قرار الامتناع يعكس نهجا دبلوماسيا براغماتيا يسعى المغرب من خلاله إلى تحييد مواقفه من القضايا ذات الحساسية الأمريكية،خصوصا في فترات تتزامن مع مداولات مجلس الأمن حول الصحراء المغربية.
فمنذ الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء سنة 2020 خلال إدارة دونالد ترامب،أصبح المغرب أكثر حرصا على عدم الدخول في مواجهات رمزية أو سياسية مع واشنطن داخل المنظمات الدولية،مع الحفاظ في الوقت ذاته على استقلالية قراراته السيادية.

العلاقات المغربية الكوبية: بين الانفراج الحذر والتباين السياسي


ورغم أن الرباط وهافانا قد أعادتا علاقاتهما الدبلوماسية في أبريل 2017 بعد قطيعة دامت 38 عاما،فإن العلاقات بين البلدين لا تزال محكومة بالحذر. ذلك أن النظام الكوبي ما يزال من أبرز داعمي جبهة البوليساريو ويعترف بما يسمى “الجمهورية الصحراوية” كما يواصل استضافة بعثات من الجبهة على أراضيه وهو ما يعد مصدر توتر دائم في العلاقات الثنائية.

رسائل القرار المغربي: توازن دقيق بين المصالح والمبادئ

من خلال امتناعه عن التصويت،بعث المغرب رسائل دبلوماسية متعددة الاتجاهات: أولها إلى الولايات المتحدة مفادها أن الرباط تراعي أولويات حليفها الاستراتيجي في القضايا الدولية. وثانيها إلى الدول الإفريقية وأمريكا اللاتينية،لتأكيد أن الامتناع لا يعني اصطفافا ضد كوبا،بل هو تعبير عن حياد محسوب يهدف إلى الحفاظ على علاقات متوازنة مع جميع الأطراف. وثالثها إلى المنتظم الدولي،بأن القضية الوطنية المغربية هي محور كل التحركات الدبلوماسية للمملكة وأن أي قرار خارجي يتخذ على ضوء مصالحها العليا.

يكرس هذا الموقف الجديد التحول الواقعي في السياسة الخارجية المغربية،الذي بات يوازن بين المبادئ التقليدية للتضامن الدولي والمصالح الجيوسياسية المرتبطة بالوحدة الترابية للمملكة.
فالامتناع المغربي عن التصويت لا يعد انسحابا من التزامات أخلاقية،بل اختيارا استراتيجيا ينسجم مع أولويات المرحلة،حيث تضع الرباط الدفاع عن قضية الصحراء المغربية في صدارة أجندتها الدبلوماسية،دون التفريط في هامش المناورة الذي يمنحها إياه تنوع شركائها الدوليين.

انعكاسات القرار على صورة المغرب داخل الأمم المتحدة


يعكس الامتناع المغربي عن التصويت قدرة الدبلوماسية المغربية على إدارة مواقفها الخارجية بمنطق السيادة والمرونة في آن واحد.ففي بيئة دولية معقدة تشهد استقطابا متزايدا بين القوى الكبرى أصبح من الضروري للدول المتوسطة مثل المغرب اعتماد مقاربة متوازنة تحفظ مصالحها الاستراتيجية دون الاصطدام مع شركائها الدوليين.وبهذا المعنى فإن قرار الرباط لا يقرأ كتحول في مبادئها الأخلاقية،بل كدليل على نضج دبلوماسي يحسن تقدير لحظات الصمت والامتناع بقدر ما يحسن اختيار مواقف الدعم.

هذا التوجه يعزز صورة المغرب داخل الأمم المتحدة كـ فاعل عقلاني ومسؤول يزن بدقة مواقفه ويضع الملف الترابي الوطني فوق أي اعتبارات ظرفية أو رمزية.
كما يبرهن على أن المغرب لم يعد يكتفي برد الفعل في الملفات الدولية بل أصبح يبادر إلى توظيف أدوات الدبلوماسية الذكية لخدمة مصالحه العليا وهو ما يعزز موقعه كـ قوة إقليمية صاعدة تتقن لغة التوازن في عالم متغير.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button