تسريبات “لجنة الأخلاقيات”.. أسئلة معلّقة بين ضرورتَي الإصلاح واحترام كرامة المهنة

أثارت المقاطع المتداولة والمنسوبة لاجتماع داخل لجنة يُفترض أنها معنية بحماية أخلاقيات المهنة نقاشاً واسعاً، بعدما تضمنت عبارات اعتُبرت غير مناسبة للسياق المؤسسي ولا للوظيفة التأديبية المنوطة بهذه الأجهزة. هذه التسريبات، سواء ثبتت صحتها أو نُفيت، أعادت إلى الواجهة سؤالاً قديماً جديداً حول واقع التنظيم الذاتي للصحافة، وحدود الدور الذي ينبغي أن تقوم به هيئات الأخلاقيات المهنية في بلد يطمح إلى ترسيخ حرية التعبير في إطار من المسؤولية.
لغة لا تليق بمقام مؤسسة يفترض فيها القدوة
ما أثار الانتباه في المقاطع المتداولة هو طبيعة الخطاب المستخدم داخل اجتماع رسمي. فبدل النقاش القانوني أو الأخلاقي المفترض، ظهرت عبارات وصفت بأنها قدحية أو غير لائقة، وهو ما ولّد استياءً لدى فئة واسعة من الرأي العام المهني، بالنظر إلى أن الهيئات التأديبية يُنتظر منها أن تكون النموذج في ضبط السلوك وحماية القيم المهنية.
سواء أكانت المقاطع كاملة أو مبتورة أو غير مكتملة السياق، فإن تداولها أثار مخاوف من تأثير اللغة المستخدمة على صورة الجهاز وعلى مستوى الثقة في قراراته، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بملفات حساسة تخص صحفيين أو مؤسسات إعلامية.
إشكالية العلاقة بين الأخلاق والتأديب
الجدل لم يتوقف عند مضمون العبارات، بل امتد إلى تساؤلات أعمق حول طريقة اشتغال لجنة يفترض أنها تسهر على تكريس مبادئ النزاهة والحياد. فبين من يرى أن الأمر يعكس خللاً في الثقافة المؤسساتية، ومن يعتبره مجرد “سوء تقدير” داخل اجتماع داخلي، يبقى المؤكد أن الملف أعاد إلى السطح الحاجة إلى تقييم حقيقي لآليات الضبط الذاتي في الحقل الإعلامي.
كما أن أي تلميح لضغوط أو تدخلات محتملة — سواء ورد في المقاطع أو فسّره المتابعون — يفتح باباً آخر للنقاش حول ضرورة حماية استقلالية الصحافة وضمان عدم المساس بحقوق الصحفيين، بما في ذلك الحق في الدفاع، واحترام المساطر القانونية المنظمة للمهنة.
بلاغ اللجنة.. نفي قاطع أم تعزيز للشكوك؟
ردّ اللجنة المعنية جاء سريعاً وحازماً، معتبراً أن ما يتم تداوله “غير صحيح” و”مفبرك”، وفق ما تضمنه بلاغها. غير أن هذا البلاغ، بدلاً من إخماد الجدل، بدا وكأنه زاد من حرارة النقاش لدى شريحة من الرأي العام، خصوصاً أن الصور وتسجيلات الصوت كانت قد انتشرت بشكل واسع، الأمر الذي جعل كثيرين يتساءلون عن مدى الحاجة إلى توضيحات أكثر تفصيلاً تعيد الثقة إلى المؤسسات المهنية.
أزمة ثقة أم فرصة لإعادة البناء؟
بعيداً عن الاتهامات والاستقطاب، تبدو الأزمة مناسبة للنظر إلى الصورة الأشمل:
هل تحتاج منظومة الأخلاقيات المهنية في المغرب إلى مراجعة؟
هل تتطلب آليات التأديب تعزيزاً في الشفافية؟
هل بات ضرورياً تجديد آليات اشتغال هذه اللجان بما يضمن حماية الصحفيين من جهة، وصون كرامة المهنة من جهة أخرى؟
فالقطاع يعيش مرحلة دقيقة، يتداخل فيها النقاش حول الدعم العمومي، والتأديب، والضبط الذاتي، وحرية التعبير، مما يجعل أي حادث من هذا النوع قابلاً للتضخيم والتسييس، ما لم يجرِ التعامل معه بحكمة وجرأة ومسؤولية.
ما حدث بغضّ النظر عن صحة المقاطع من عدمها — هو جرس إنذار يفرض على الفاعلين في الحقل الإعلامي التفكير في إعادة هيكلة آليات الأخلاق المهنية، وتطوير ثقافة مؤسساتية تحترم القيم، وتحفظ كرامة الصحفيين، وتضمن شفافية المساطر، بما يعزز الثقة في المؤسسات ويقوي صورة المهنة أمام المجتمع.



