مضيق هرمز: شريان الطاقة العالمي في قلب التوترات الجيوسياسية

بمجرد سماع عبارة “مضيق هرمز”، تتبادر إلى الأذهان صور النفط، الشحن البحري، التوترات الإقليمية، والخوف من أي صراع محتمل. هذا الممر المائي الضيق بين إيران وسلطنة عمان ليس مجرد نقطة عبور، بل يشكّل شريان حياة للاقتصاد العالمي، إذ يجري عبره يومياً نحو خمس صادرات النفط العالمية، ما يجعله بمثابة “حنفية الطاقة” التي قد تزعزع الاقتصاد العالمي إذا ما أغلقت ليوم واحد.
يقع مضيق هرمز عند ملتقى الخليج العربي وخليج عمان، محدداً حدوداً طبيعية بين إيران شمالاً وسلطنة عمان جنوباً. وهو البوابة البحرية الرئيسية لطاقة الخليج، نظراً لاعتماده شبه الكامل عليه لتصدير النفط والغاز، مما يجعل أهمية هذا الممر ذات بعد استراتيجي لا يُضاهى.
يبلغ عرض المضيق في أضيق نقاطه نحو 33 كيلومتراً فقط، وتتقاطع الحركة عبره في ممرات ملاحية ضيقة، عرض كل منها نحو 3 كيلومترات. هذه الخصائص تجعله عرضة للتعطيل السريع مقارنة بالممرات البحرية الأكبر، وتضعه في قلب الأزمات الدولية.
يمثل المرور الآمن عبر مضيق هرمز ضمانة لتدفق النفط الخام والمنتجات البترولية من الشرق الأوسط إلى بقية العالم. فيما يتحكم الخليج بثلثي إنتاج الغاز، خاصة من قطر، التي تشحن الغاز الطبيعي المسال عبر هذا الممر. أي اضطراب في المرور يؤدي مباشرة إلى اختناق أسواق الطاقة وارتفاع أسعار النفط، مؤثراً بشكل مباشر على اقتصادات الدول المعتمدة عليه، خاصة في آسيا وأوروبا.
ويمر عبر مضيق هرمز نحو 21 مليون برميل نفط يومياً، ما يعادل حوالي 20% من استهلاك العالم، بالإضافة إلى أكثر من 100 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز الطبيعي المسال، ومعظمه من قطر.
مواجهات النفوذ والتهديدات الجيوسياسية
– إيران: تنظر إيران إلى مضيق هرمز كجزء من سيادتها الاستراتيجية، وغالباً ما تستخدم تهديدات الإغلاق كوسيلة ضغط في النزاعات الدولية، خاصة خلال تصعيد العقوبات. ويرافق ذلك بتحركات عسكرية مثل زرع ألغام بحرية أو احتجاز ناقلات، خاصة عبر قوات الحرس الثوري.
– الولايات المتحدة والدول الغربية: تؤكد واشنطن وحلفاؤها أن حرية المرور عبر مضيق هرمز “خط أحمر” لا يمكن التنازل عنه. وتعتمد في ذلك على تواجد الأسطول الأمريكي الخامس، وكذلك تحالفات بحرية دولية تعمل على تأمين الممر ومنع أي عملية عدائية أو قرصنة بحرية.
تُظهر تجارب السوق أن مجرد التفكير في غلق مضيق هرمز يتسبب فوراً في ارتفاع غير مسبوق بأسعار النفط، مما يؤثر على أسعار التأمين على السفن العابرة وينعكس على الأسعار في الأسواق العالمية.
على الرغم من التواجد العسكري المكثف، تبقى هشاشة المضيق قائمة. وتشمل البدائل الممكنة لتقليل الاعتماد عليه:
– خط أنابيب شرق-غرب السعودي: مصمم لتفادي مضيق هرمز عبر أراضي المملكة وصولاً إلى البحر الأحمر، لكنه يغطي فقط احتياجات الصادرات السعودية ولا يعوض عن الدور الحيوي للمضيق لباقي دول الخليج.
– قناة السويس: رغم أهميتها كطريق بحري، إلا أنها تبقى أطول وأغلى من مسار الخليج، والقيود النوعية لبعض السفن العملاقة قد تمنعها من المرور، وبالتالي تظل خياراً مكملاً فقط.
يتراوح مستقبل مضيق هرمز بين سيناريو التصعيد العسكري، الذي ينذر بتوترات كارثية على الاقتصاد العالمي، وسيناريو التهدئة والتفاوض الذي يسعى لتأسيس آليات تعاون إقليمي لضمان مرور آمن ومستقر.



