أخبارالرئيسيةمجتمع

حين تتكلّم الحكومة..وتتهرّب من الحقيقة

زهير أصدور-رئيس مؤسسة عيون لحقوق

أصدرت رئاسة الأغلبية الحكومية بيانًا، عقب اجتماعها يوم الثلاثاء 30 شتنبر 2025، في محاولة واضحة لتفسير ما لا يُفسَّر، وتبرير ما لم يعد يُحتمل.

البيان المطوّل، ورغم لغته المنمّقة، لم يقدّم ما يُنتظر من حكومة تواجه احتقانًا شعبيًا صريحًا، وغضبًا شبابيًا غير مسبوق. لم يحمل أي اعتراف بالمسؤولية السياسية عن الأزمة الحالية، ولا أي التزام صريح بالمحاسبة أو المراجعة.
في جوهره، البيان ليس أكثر من محاولة باردة لـ”احتواء” لحظة مشتعلة، بلغة لا تشبه حرارة الشارع. هو بيان يريد إقناع الناس بأن الحكومة تتفهمهم، دون أن تعترف بأنها السبب الأول في ما يعانونه.

الاحتجاجات لم تسقط من السماء، ولا هي مجرد “تعابير شبابية”، بل صرخة واضحة ضد فشل سياسات، وغطرسة قرارات، واستفزاز دائم لعقول الناس وكرامتهم.

من منظور حقوقي، ما يثير القلق فعلًا هو ما لم يُذكر:
• لا حديث عن الفساد، وكأن من سرقوا المال العام أشباح لا يمسهم القانون.
• لا التزام بأي محاسبة أو مراجعة، فقط وعود فضفاضة.
• لا اعتراف بأن التعنيف والتضييق طال متظاهرين سلميين.
• لا إشارة إلى أن الحق في الاحتجاج والتعبير هو حق دستوري، لا مِنّة من الدولة.

هذا الصمت الانتقائي أخطر من البيان نفسه، لأنه يؤكد ما يخشاه الجميع: أن الحكومة ما زالت تُدير أزمة سياسية عميقة بعقلية أمنية، وتراهن على مرور العاصفة بدل مواجهتها بالحكمة والشجاعة.
كنا ننتظر من الأغلبية السياسية أن تمتلك الشجاعة لتعترف أن سياساتها فشلت في خلق الأمل، وأن تخاطب الشباب بلغة تليق بهم، لا بلغة الخشب والتبرير.
لكن بدل ذلك، اختارت البيان.
واختارت معه الصمت عن الأسئلة الحقيقية.
جيل Z لا يُقنعه الكلام المُعاد والمكرر، ولا يُطمئنه صمت الناطق الرسمي، ولا وعود بلا أفق.
إن لم تتحرك الحكومة اليوم بخطوات واضحة وجريئة ومباشرة – محاسبة، إصلاح، مراجعة، اعتراف – فإن القادم لن يكون مجرد “احتقان”، بل تصدّع حقيقي في جدار الثقة بين المواطن والدولة.
السياسة التي لا تُنصت، تُفاجَأ.
والأنظمة التي لا تُحاسِب، تُحاسَب بطريقتها.
ما لا تُعالجه الحكمة…
سيفجّره الغضب.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button