Hot eventsأخبارأخبار سريعةعين العقل

المغرب والجزائر… حين تتحدث الجغرافيا بلغة القلب

بقلم: الاستاذ مولاي الحسن بنسيدي علي

ليست الحدود التي تفصل بين المغرب والجزائر سوى خطوط رسمتها السياسة، أما القلوب فظلت متصلة بنبض التاريخ وروح الجوار. على ضفّتي الصحراء وفي مدن المتوسط الممتدة من وجدة إلى تلمسان، يتعانق اللسان العربي والأمازيغي في وحدة النغم، وتتجاور العادات والملامح كما لو أن القدر نسج من الشعبين ثوبًا واحدًا بلونين متقاربين لا يميّز بينهما إلا الضوء.
لقد شاءت الجغرافيا أن يكونا توأمين في حضن واحد، وشاء التاريخ أن يكتبا معًا فصول المقاومة ضد الاستعمار، وأن يُنشدا معًا أغاني الحرية والاستقلال. فهل يجوز بعد كل هذا الإرث أن نفترق بسبب كلمات متشنجة أو نزاعات سياسية تُدار من وراء البحار؟
في فالنسيا ومدريد ومرسيليا وباريس، نرى أبناء المغرب والجزائر يلتقون على مائدة واحدة، يضحكون باللهجة نفسها، ويتبادلون الود كما لو أنهم إخوة من رحم واحد. لا يذكرون الحدود، ولا يتجادلون حول الرايات، بل يتحدثون عن الغربة والحنين والأمل في غدٍ عربيٍّ مغاربيٍّ متّحدٍ متآزرٍ. شعارهم البسيط والعميق: خوا خوا.
ذلك النداء الشعبي الذي اختصر قرونًا من الأخوة في كلمتين تنضحان بالمحبة والصدق.
لكن خلف هذا الصفاء الشعبي، تتربص سياسة ضيقة الأفق، تغذّيها مصالح قوى لا تريد للمنطقة أن تتعافى. قوى تخشى أن ترى المغرب والجزائر يدًا بيد، فالاتحاد المغاربي القوي يهدد نفوذها ومصالحها. وهنا يأتي دور المثقفين، والإعلاميين، والشرفاء في كلا البلدين، ليعيدوا للعقل صوته، وللضمير سلطته، وليعلّموا الأجيال أن الدم لا يصبح ماءً مهما حاولت السياسة أن تلوّنه.
إننا بحاجة إلى مصالحة القلوب قبل مصالحة المكاتب، إلى لغة السلام بدل لغة الشعارات، إلى أن نغرس في وجدان أطفالنا أن الجزائري أخٌ للمغربي، والمغربي سندٌ للجزائري.
فالمستقبل لا يُبنى بالحقد، بل بالمحبة.
ولا تُشيّد الأوطان بالقطيعة، بل بالتعاون والاحترام المتبادل.
فلنعلنها بصدق:
نريد مغربًا عربيًا امازيغيا افريقيا واحدًا ينبض بالسلام.
نريد أن تعود البسمات إلى وجوه الجيران، وأن تذوب الحدود في دفء الإنسانية.
ولْنترك للسياسة ما لها، لكن لا نسمح لها أن تسرق منا ما تبقى من روابط الدم والدين واللغة.
تحية لأبناء الجالية المغاربية في كل أصقاع الأرض، أنتم السفراء الحقيقيون لوحدةٍ لم تمت، ولأخوةٍ لا تعرف الانقسام.
فاحملوا مشعل المودة، وكونوا رسل الصلح بين وطنين لا يفصل بينهما سوى غبار السياسة، أما القلوب فموصولة بخيوط الله والنسب والتاريخ.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button