الحب حين يسكن الذات

بقلم:الاستاذ مولاي الحسن بن سيدي علي
في زحمة المفاهيم التي تاهت بين المصلحة والأنانية، يظلّ الحبّ ـ في جوهره الأصيل ـ طريقًا إلى الصفاء، لا إلى التملك. هو النور الذي يعيد للإنسان إنسانيته، ويهذب فينا النزعة إلى التعالي والجبروت. هذه تأملات في ماهية الحب، حين يسكن الذات، وحين يغادرها…
الحب نفحة من سرّ الله في الخلق،
نسمةٌ تهمس في أعماق الوجود،
فتوقظ القلب من سباته،
وتسكب في الروح خمرة الدهشة الأولى.
هو نارٌ تُحرق الأنا لتضيء الوعي،
وسكونٌ تشتعل في عمقه العاصفة.
وحين يسكنك الحب،
لا تعود ترى في الأشياء إلا وجهًا واحدًا… وجه الجمال المطلق.
تتلاشى الفوارق،
ويغدو الكون نغمةً واحدةً في مقام الرحمة.
وإن حاولت القبض عليه،
أفلت منك كما تفلت الأسماك من بين الأصابع،
لأن الحب لا يُملك، بل يُسكن،
ولا يُقال، بل يُحال.
فإن نزل إلى مدارج الجسد، صار شهوةً تقلق،
وإن ارتقى إلى مقامات الروح، صار نورًا يُنير.
الحب جمالٌ إن رآه البصر،
وكمالٌ إن شهدته البصيرة.
فإذا اجتمعا، اتّحدت الأرض بالسماء،
وسكن الإنسان مقامه الحق بين العطاء والتجلّي.
الحب يا صاح، ليس وعدًا ولا انتظارًا،
بل حضورٌ دائم في كل ما خلق الله.
هو الصمت حين تضجّ الأصوات،
وهو البصيرة حين يعمى القلب عن النور.
لكن حين ترتفع الأنا في الذات،
تحدث في الروح ارتجاجة،
فينقلب الحب إلى كِبرٍ،
والودّ إلى جبروتٍ متسلّط.
فلا حبّ للضعيف،
إذ تُعصف حقوقه،
ويختلّ ميزان العدل بين الحاكم والمحكوم.
فالأول يُحب مصلحته،
والثاني يُغنّي بالمدح لأجل لقمة العيش،
والسياسي يعشق كرسيه أكثر من حبّه لوطنه.
وحين يغيب الحب،
يعلو صوت القسوة،
وتُصاب القلوب بالعمى وهي تظن أنها تُبصر.
فلا خلاص إلا بعودة الحب إلى جوهره الأول،
حيث تُمحى الأنا في النحن،
ويغدو الإنسان مرآةً لأخيه،
يرى في وجهه ملامح الله،
وفي عطائه معنى الحياة.
يبقى الحب في جوهره صلاةً صامتةً لا تُقال،
من فهمها زهد في المظاهر،
ومن سكنته أنار لمن حوله الطريق.
فما خُلق الحب إلا ليذكّرنا بأن الإنسان لا يُكتمل إلا بالآخر،
ولا يسمو إلا حين يُحب بصدقٍ، لا بانتظار.



