العَلَم… ذاكرة وطن لا تُهان

بقلم الاستاذ: مولاي الحسن بنسيدي علي
الأوطان تُصان برموزها، ومن أهان رايتها فقد أهان روحها.
العَلَمُ ليس قطعة قماش تُلوَّن بخيوط، ولا رمزًا يُعلَّق على الجدران لمجرّد الزينة، بل هو روحُ وطنٍ نابض، وعقيدةٌ تتوارثها الأجيال قبل أن تُعلَّم في المدارس. ليس خرقة تُعبَث بها الأيدي العابثة أو نجلس عليها، ولا بساطًا يُلقى على الأرض، ولا وسادة تدوس عليها الأرجل الغافلة عن معناها. إنما هو حُرمةٌ وسموٌّ، ومكانه في القلب قبل السارية، وفي سويداء العين لو وسِعتْه نظراتُنا، وفي وجدان الأمة ما بقي فيها نبضٌ أو كرامة.
العَلَمُ امتدادُ تاريخٍ عريق خطَّته سواعد الآباء بدماء الشرفاء، فارتفع شاهقًا ليخبر الدنيا أن لهذا الوطن رجاله، وأن كل خيطٍ فيه حكمة، وكل لونٍ فيه قصة، وكل حركةٍ لرفرفته إعلانٌ مستمرٌّ لوجود أمةٍ لا تخضع ولا تُهان. من هنا كان المساس به طعنًا في الذاكرة، وجرحًا لكرامة شعب، وخيانةً لدماء طاهرة ذهبت فداء الأرض والعرض.
ولأن العَلَمَ ليس فوقه اسم ولا مقام، فقد جعله القانون في حصانة لا تُمسّ، يُعاقَب من يسيء إليه بعقوبة رادعة لا تستثني أحدًا؛ لا وزيرًا ولا غفيرًا، ولا صاحب منصب ولا بسطاء الناس. فحين يتعلّق الأمر براية الوطن، تتساوى الرؤوس، ويسقط كل امتياز، ويقف الجميع أمام نصٍّ واحد، لأنّ الوطن إذا أُهين لا تُقبل فيه الأعذار ولا تتراخى العدالة.
العَلَمُ لا يرفعه إلا شريفٌ يعرف قيمة الانتماء، ولا يهينُه إلا لئيمٌ ضاقت في صدره معاني الوطنية وجفّ فيه نبض العزة. هو صوت الجماهير في الفرح، ودمعة الأمة في الأحزان، وساريةٌ تُقبِّلها الرياح فتُنشد معها نشيد الأرض والسماء. وحين تتطاير الأعلام فوق البيوت والمدارس والملاعب والحدود، فهي لا ترفرف فحسب، بل تُعلن رسالة صامتة: هنا وطن، هنا هوية، هنا تاريخ، هنا أملٌ لن ينطفئ.
فلنحفظ علمنا كما نحفظ دمنا، ولنرفعه كما نرفع رؤوسنا، ولنعلم أبناءنا أن احترامَه احترامٌ للذات، وأن الإهانة له ليست جُرأةً بل خيانة. العَلَمُ ليس مجرد رمز… إنما هو بيتُنا عندما تضيق الدنيا، وهويةُ أرواحنا حين تتبدّل الأسماء، ومن لا يعرف قيمة علمه لن يعرف قيمة وطنه أبدًا.
وقد جعل المشرِّع حرمة العَلَم مصونة بنصٍّ صريح، تُجرَّم فيه الإهانة ويُعاقَب مرتكبها، وفق ما ورد في الفصل 267-1 من مجموعة القانون الجنائي المغربي.



