بين مجالس تلهو… وملك يُنصت

بقلم الاستاذ: مولاي الحسن بنسيدي علي
في زمنٍ باتت فيه بعض المجالس المنتخبة تُجسِّدُ صورةً هزليةً للتمثيل الديمقراطي، غابت المصلحة العامة، وارتفع صوتُ المزايدات بدل صوت العقل، وصار الكرسي غايةً لا وسيلة، نرى من “يأكل الموز” ويلقي بقشوره على أرض الوطن، فينزل الضرر بأقدام المواطنين الذين فوضوهم لتيسير شؤونهم لا لإعاقتهم. تلك الصورة الرمزية تختزل واقعًا مؤلمًا لمجالسٍ فقدت بوصلة المسؤولية، فتحولت من أدوات بناء إلى عبءٍ على التنمية المحلية.
وفي خضم هذا العبث، يجيء الأمر الملكي السامي بتوجيه الولاة والعمال إلى الاقتراب من المواطن، والإنصات لهمومه، باعتبارهم صلة الوصل بين الدولة والمجتمع، والضامن الحقيقي لتجسيد مفهوم الدولة الراعية لا الغافلة.
كان لذلك التوجيه أثرٌ كبير في نفوس المواطنين، الذين رأوا فيه بادرة أملٍ تعيد الثقة المفقودة وتبعث فيهم الطمأنينة بأنّ هناك من يراهم، ويسمع أنينهم، ويتابع معاناتهم عن قرب. فهتف الناس بدعاءٍ صادق: اللهم اشفِ ملكنا وبارك في عمره، لأنه في زمن الصمت الرسمي، اختار أن يتكلم بلسان المواطن.
لكن ما يُثير الأسى أن حكومة الظل – تلك التي اعتادت الوقوف في الصفوف الخلفية للتصفيق – لم تلتقط الإشارة، بل اكتفت بالمباركة الشكلية، وكأنّها خارج السياق الوطني. انتقلت من “أكل الموز” إلى “أكل المخ”، في تعبيرٍ ساخر عن عجزها عن تقديم المبادرة أو حتى التفكير الجاد في الحلول، فصارت تمتص العقول بدل أن تستنير بها.
اليوم، ارتفع منسوب الوعي الشعبي، وبدأ المواطن يقرأ ما وراء الأمر المولوي السامي ، يميز بين العمل الحقيقي والتمثيل المسرحي، وبين من يخدم الوطن ومن يخدم نفسه. فذكاء المخ الشعبي صار أكثر نباهة من دهاء المناصب، وباتت الأنظار تتجه إلى لحظة الإفاقة الكبرى، حين ترفع تلك المجالس يدها عن الشأن العام وتفسح المجال لمن يملك الإرادة قبل الشعارات.
إنها لحظة مفصلية بين زمن المجالس الثرثارة وزمن الدولة السامعة، بين التمثيل الشكلي والقيادة الفعلية. وما بين الموز والمخ، تبقى الحكمة في عقل الشعب الذي تعلم أن الإصلاح لا يأتي من الضجيج، بل من صوتٍ هادئٍ يحمل نية صادقة وقرارًا جريئًا.



