حين تهتزّ ركائز السلطة الرابعة… ويغدو تاج “صاحبة الجلالة” في مهبّ الريح

بقلم الاستاذ: مولاي الحسن بنسيدي علي
تبدو البلاد وكأنها تتقدم نحو تخليق الحياة العامة وتعزيز الثقة بين المواطن ومؤسساته، لكن أحداثًا متلاحقة تعيدنا فجأة إلى لغة قديمة وممارسات تُضعف ما تحقق. تضييق على الصحفيين، محاكمات، مراقبة للمحتوى، وتوسع في المتابعات القضائية… كلّها مؤشرات على ارتباك العلاقة بين الدولة والسلطة الرابعة.
وفي المقابل، يواجه الجسم الصحفي نفسه أزمة داخلية: ضعف في التنظيم، وتشتت في المواقف، وغياب آليات قوية للدفاع عن حرية التعبير، مما يسهّل على الأطراف المتربصة بالمهنة استغلال هذه الهشاشة لتقليص مساحات الحرية.
ورغم أن الدساتير تضمن حرية التعبير، فإن الواقع يكشف مسافة واسعة بين النص والممارسة. فالصحفي، الذي يفترض أن يكون شاهدًا على الحقيقة، بات هو المتهم، والكتابة أصبحت مغامرة يحكمها الخوف والرقابة الذاتية. وعندما يتحول الخلاف المهني إلى قضية جنائية، تنكمش الحرية، ويضعف دور الصحافة الطبيعي في الرقابة وتنوير الرأي العام.
إن الصحافة ليست خصمًا للدولة، بل شريكًا أساسيًا في الإصلاح، ومرآة يرى بها المجتمع أعطابه قبل استفحالها. وحين تُضعف الدولة إعلامها، فإنها تفقد قدرتها على مراقبة الأخطاء وتصحيح المسار.
لذلك، المطلوب اليوم حماية حرية الصحافة من خلال مراجعة القوانين التي تسمح بالعقوبات السالبة للحرية، وتقوية التنظيم الذاتي داخل المهنة، وتفعيل لجان أخلاقيات نزيهة، وضمان الوصول إلى المعلومة، ودعم المؤسسات الإعلامية حتى لا تكون هشاشتها مدخلًا للضغط أو الابتزاز.
الظلم ظلمات، والكلمة الحرة ضمانة للدولة والمجتمع معًا. فلنحافظ على الصحافة حتى يبقى للوطن صوت ومرايا وفضاء للنقاش الحر.



