عين الحدث الإفريقي |استثمارات ضخمة.. تحديات النقل.. مأساة التعليم.. صفقة عسكرية.. وممر لوجستي بين المغرب والصين

إعداد وتحرير: مصطفى بوريابة
مع انطلاق يوم الجمعة 11 يوليوز 2025، ترسم المملكة المغربية خارطة متجددة من الأحداث والتطورات التي تعكس توازنًا بين الرؤية التنموية العميقة والرهانات الثقافية والدبلوماسية الراهنة.
في صباح رباطي دافئ ينسجم مع حرارة الصيف وروح الإبداع، تستيقظ المملكة المغربية على مشهد إعلامي حافل بالأحداث التي تجسد تنوعها الثقافي، وتؤكد ريادتها التنموية والديبلوماسية. من قلب العاصمة الرباط، ينبثق مهرجان “مغرب الحكايات” ليحكي قصصًا تتجاوز حدود الرواية لتُعيد للماء دوره الرمزي كجسر بين حضارات الأمازون ومرتفعات الأطلس وقناة بنما، في دورة جديدة تحت شعار “حكايتك ماء، ارويها ترويك”. المهرجان الذي يحتفي بالكلمة كحارس للذاكرة الإنسانية، يعكس الوعي العميق بقوة الثقافة في بناء جسور التلاقي والتعايش.
وفي تناغم مع هذه المشاعر الثقافية، تواصل الحكومة المغربية تنفيذ برامجها التنموية بفعالية عالية، خاصة في مجال الموارد المائية. فقد ترأس رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، اجتماع لجنة قيادة البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، حيث تم الوقوف على تقدم تنفيذ محاور البرنامج والإجراءات الاستعجالية التي تضمن تأمين الماء الصالح للشرب، وتخفيف العجز في مياه السقي، مع بلوغ نسبة ملء السدود نحو 37.4%، ما يعادل 4.3 مليار متر مكعب، في مؤشر يعكس قدرة البلاد على مواجهة تحديات التغير المناخي وتأمين الموارد الحيوية.
على صعيد آخر، يحقق القطاع السياحي قفزات هامة، حيث أعلنت وزارة السياحة استقبال 8.9 ملايين سائح خلال النصف الأول من 2025، بزيادة 19% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، مع تسجيل أفضل شهر يونيو تاريخياً بحضور 1.7 مليون سائح. هذه الدينامية تؤكد مكانة المغرب كوجهة سياحية متميزة وجاذبة، قادرة على إحداث أثر اقتصادي واجتماعي إيجابي.
وفي السياق الاجتماعي، استفاد 55 ألف مواطن من برنامج دعم السكن حتى الآن، بنسبة 76.3% من المقيمين داخل المغرب، و23.7% من المغاربة المقيمين بالخارج، في مؤشر يؤكد التزام الحكومة بتحسين ظروف المعيشة وتقليص الفوارق الاجتماعية.
على الصعيد الأكاديمي والدولي، شهدت المملكة خطوات مهمة لتعزيز التعاون الجامعي، حيث وقعت جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية اتفاقية مع جامعتي لالاغونا ولاس بالماس بجزر الكناري، بهدف تطوير البحث العلمي والابتكار، ما يعكس عمق العلاقات الثقافية والأكاديمية في الفضاء الأورومتوسطي. كذلك جددت نيجيريا حرصها على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع المغرب، في إطار شراكة متنامية بين البلدين، فيما استقبلت جهة الداخلة وادي الذهب وفداً فرنسياً للاطلاع على مشاريع مهيكلة خصوصاً في قطاع الطاقات المتجددة.
وفي مجال الإصلاحات، تواصل وزارة الداخلية جهودها لتحديث سلاسل توزيع المنتجات الفلاحية وضبط أسعارها، بينما بلغ رقم معاملات الصناعة التقليدية 22.4 مليار درهم، ما يبرز مدى أهمية هذا القطاع في الحفاظ على التراث الثقافي ودوره الاقتصادي الحيوي.
أما في الرياضة، فقد صادق مجلس الحكومة على مشروع قانون إحداث مؤسسة “المغرب 2030″، المكلفة بتتبع أوراش التحضير لتنظيم كأس العالم 2030، في خطوة تعكس جدية الاستعدادات لتنظيم هذا الحدث الرياضي العالمي المشترك مع إسبانيا والبرتغال.
وفي إطار تعزيز العدالة الاجتماعية، أظهر تقرير منظمة “أوكسفام” أن المغرب يحتل المرتبة الثامنة إفريقيًا في مؤشر الالتزام بالحد من انعدام المساواة، ما يؤكد التوجه الوطني نحو توزيع أكثر عدلاً للثروة وتحسين فرص جميع الفئات.
وعلى صعيد السياسات العمومية، شدد المندوب السامي للتخطيط، شكيب بنموسى، على أهمية تبني سياسة استباقية لمواجهة التحولات الديموغرافية، محذرًا من الاستغلال غير الرصين للبيانات السكانية في النقاش العمومي.
في سياق دبلوماسي هام، أعلنت المملكة إعادة فتح سفارتها في دمشق، استجابة لتوجيهات ملكية سامية، ما يعيد فتح آفاق جديدة لتعزيز العلاقات العربية ويؤكد رغبة المغرب في تعزيز التضامن والتعاون الإقليمي.
أما في مجال الربط التجاري واللوجستي، فقد انطلقت مبادرة استراتيجية تربط ميناء طنجة المتوسط بمدينة تشنغدو الصينية عبر خط نقل متعدد الوسائط، ما يمنح المغرب موقعًا متميزًا كبوابة تجارية بين آسيا وإفريقيا، ويعزز فرص التبادل التجاري والتنمية الاقتصادية.
وفي ميدان التعاون الدولي الاقتصادي، أكد منتدى الأعمال المغربي-البرازيلي المنعقد بمراكش حرص الجانبين على تعميق الشراكة والاستثمار المشترك، تأكيدًا على أهمية تقوية الروابط بين أفريقيا وأمريكا اللاتينية.
على المستوى الصحي، فرض المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية “أونسا” إجراءات مشددة لمواجهة أمراض إنفلونزا الطيور والحمى القلاعية والجدري، من خلال حملات تلقيح ورقابة صارمة على وحدات الدواجن، حفاظًا على الأمن الصحي الوطني.
وفي المجال التشريعي، أحيل مشروع قانون المسطرة المدنية على المحكمة الدستورية، في خطوة دستورية لاستكمال المساطر التشريعية، بينما أعلنت وزارة السياحة عن إطلاق طلب عروض لاختيار “الزبون السري” لتقييم جودة الخدمات في الفنادق، في إطار إصلاح منظومة التصنيف السياحي.
وفي قطاع التعليم العالي، طمأن وزير الفلاحة الطلبة بخصوص السكن الجامعي لمعهد الحسن الثاني، مؤكدًا توفير بدائل مناسبة قبل أي قرار بهدم المباني القديمة، بما يحفظ حق الطلبة في ظروف ملائمة للدراسة.
وفي مجال التعاون البرلماني، اتفق المغرب والاتحاد الأوروبي على عقد اجتماع مشترك في الرباط نهاية أكتوبر، لدعم ميثاق التعاون من أجل استقرار وازدهار منطقة البحر الأبيض المتوسط.
هكذا، يتجلى المغرب اليوم كدولة تجمع بين أصالة الحكاية ومتانة المشاريع، بين ثقافة الجذور ورؤية المستقبل، بين انفتاح عالمي وعمق إفريقي. صباحٌ يؤكد أن وطن الألف حكاية لا يزال يكتب فصوله برؤية واضحة، عازمًا على صناعة تنمية مستدامة وشاملة، تجسد طموحاته في كل ركن من أركان الحياة السياسية، الاقتصادية، والثقافية.



