Hot eventsأخبارأخبار سريعةثقافة و فن

حين تنهار هياكل الفكر

شَيَّدوا جدرانًا من ذهب حول الكلمات والأسماء،
ووشَّوها بالقداسة حتى انحنى لها الزمن.
في أفنية الذاكرة، تتنفس التماثيل غبارًا،
وعيونٌ نُحِتَت من يقين الأمس لم تَعُد ترانا.

يُرفع الماضي كأنه أثر مقدس — مشروخ، ثقيل،
يسحق الأيدي التي تحمله.

ما بدأ شرارةَ حقيقة، صار صنمًا لا يُمَسّ،
يدير ظهره لصراخ الأحياء.

نركع أمام أسماء صقلتها القرون،
وننسى أن الذهب نفسه يصدأ إن حُرِم من الريح.

العقل — خُلِق ليكون نوراً — حُبِس في زجاج،
فتضاؤلت شعلته.
نهر الفكر، الذي كان يومًا جارفًا بالأسئلة،
أُقيم له سدٌّ من قداسة الحجارة،
فصار لا يسقي إلا حدائق الموتى.

وسُمِّي الصمتُ حكمة،
والغبارُ خلودًا.

كان الشارع من قبل كتابًا مفتوحًا،
تجلس فيه العدالة إلى جانب الخبز،
ويحمل فيه النسيم الجدل كما يحمل اللقاح.

أما اليوم، فالسوق يفوح منه بخور الأموات.

تطلب الكرامة، فيُجِيبونك بالعقيدة.
تطلب العدالة، فيمدّون إليك البخور.
تطلب الفكر، فيعطونك سيفًا ما زال مبلولًا.
تنادِي بالسلام، فيحدّثونك عن الحرب بألفاظ مقدسة.

الماضي — طينٌ للتشكيل —
يُلصَق على الحاضر كقناع لا يلائم الوجه.

يخيطون جراح اليوم بأساطير الأمس،
رافضين رؤية الدم.

ومع ذلك، ليسوا كلهم عُميانًا.
ثَمّة من يمشي وحيدًا، يحرس شرارة
صغيرة صغراً يكفي لتُخفى،
لامعة لمعانا يكفي لتحرق.

يتكلمون بيان الرفض،
ويزرعون المستقبل في شقوق الأصنام المهدومة.

عُزلتهم مِسَنّ،
وكلماتهم سيف يقطع الحبال
التي تربط الزمن بمذبح الأمس.

يومًا ما، ستتشقق آلهة الرخام،
ويمتزج غبارها بالمطر.

ومن تلك الأرض، سينهض نورٌ
يأبى أن ينحني.

في زقاق بلا اسم،
سيرعى القليلون الجمرة ويصونونها،
ويحادثون الريح وحدها.

وحين يسقط الرخام،
ويرفض النور أن ينحني،
سيزرعون ويغرسون في الأرض المكشوفة،
ويعلّمون النور المولود كيف يُسمِّي العالم من جديد.

عبد اللطيف زكي
الرباط، في 14 غشت 2025

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button